مأساة الحياة - نازك الملائكة | القصيدة.كوم

شاعرة وناقدة عراقية، تعتبر من أكثر الشاعرات العرب تأثيراً، ومن أوائل من كتب قصيدة التفعيلة وروّج لها (1923-2007)


441 | 5 | 1 | 4




عبثاً تَحْلُمين شاعرتي ما
من صباحٍ لليلِ هذا الوجودِ
عبثاً تسألين لن يُكْشف السرُ
ولن تَنْعمي بفكِ القيودِ

في ظلال الصفصافِ قَضَيتِ ساعاتكِ
حَيْرى تُمضُّك الأسرارُ
تسألين الظلالَ و الظلُ لا يعلمُ
شيئاً وتعلمُ الأقدارُ

أبداً تنظرين للأُفق المجهول
حَيْرى فهل تجلّى الخفيُّ؟
أبداً تسألين والقدرُ الساخرُ
صمتٌ مُسْتغلِقٌ أبديُّ

فيمَ لا تيأسينَ؟ ما أدركَ الأسرارَ
قلبٌ من قبلُ كي تدركيها
أسفاً يا فتاةُ لن تفهمي الأيامَ
فلتقنعي بأن تجهليها

اُتركي الزورق الكليل تسِّيرْهُ
أكفُّ الأقدارِ كيف تشاءُ
ما الذي نلتِ من مصارعة الموجِ؟
وهل نامَ عن مناكِ الشقاءُ؟

آهِ يا من ضاعتْ حياتك في الأحلامِ
ماذا جَنَيْتِ غير الملالِ؟
لم يَزَلْ سرُّها دفيناً فيا ضيعةَ
عُمْرٍ قضَّيتِهِ في السؤالِ

هُوَ سرُّ الحياة دقَّ على الأفهامِ
حتى ضاقت به الحكماءُ
فايأسي يا فتاةُ ما فُهمتْ من
قبلُ أسرارُها ففيم الرجاءُ؟

جاء من قبلِ أن تجيئي إلى الدُّنْيا
ملايينُ ثم زالوا وبادوا
ليتَ شعري ماذا جَنَوْا من لياليهمْ؟
وأينَ الأفراحُ و الأعيادُ؟

ليس منهم إلاَّ قبورٌ حزيناتٌ
أقيمت على ضفاف الحياةِ
رحلوا عن حِمَى الوجودِ ولاذوا
في سكونٍ بعالم الأمواتِ

كم أطافَ الليلُ الكئيب على الجو
وكم أذعنت له الأكوانُ
شهد الليلُ أنّه مثلما كان
فأينَ الذينَ بالأمس كانوا؟

كيف يا دهرُ تنطفي بين كفَّيكَ
الأماني وتخمد الأحلامُ؟
كيف تَذْوي القلوبُ وهي ضياءٌ
ويعيشُ الظلام ُوهو ظلامُ

كيف تحيا الأشواك والزهر الفاتن
يذوي في قبضة الإعصارِ
كيف تمضي إلى الفناء الأناشيد
وتبقى سخريّةُ الأقدارِ

حدّثي القلبَ أنتِ أيتها المأساةُ
يا من قد سُمِّيَتْ بالحياةِ
ما الذي تصنعين بي في الغدِ المجهولِ؟
ماذا ترى مصيرُ رُفاتي؟

أيّ قبرٍ أعددتِ لي؟ أهو كَهْفٌ
ملءُ أنحائه الظلامُ الداجي؟
أم ترى زورقي سيغرَقُ بي يوماً
فأثوي في ظلمة الأثباجِ

لـهفتي يا حياةُ كم تلعبُ الأوهامُ
بي كم يؤودُني التفكيرُ
أبدا أسألُ الليالي عن الموتِ
وماذا ترى يكونُ المصيرُ

طالما قد سألتُ ليليَ لكن
عزَّ في هذه الحياة الجوابُ
ليس غير الأوهام تسخر مني
ليس إلا تمزّقٌ واضطرابُ

هل فهمتُ الحياةَ كي أفهمَ الموتَ
وأدنوا من سرِّهِ المكنونِ
لم يَزَلْ عالَمُ المنيّةِ لُغْزاً
عزّ حلاًّ على فؤادي الحزينِ

فليكن يا حياةُ لن أسألَ الليلَ
عن السر فاحكُمي كيف شئتِ
امنحيني عُمْرَ الزهور فلن أبكي
ومُدّي الحياةَ لي إن رَغِبْتِ

ما الذي ينفع البكاءُ وما يصغي
إلى الصارخينَ قلبُ القضاءِ
لن يزيد البكاءُ يوماً على عمري
ولن يرحم المماتُ شقائي

ولتجرّعنيَ الحياةُ كؤوس الحزن
واليأس ما يشاءُ شقاها
هل ستُصغي إلى رجائي المنايا
إن تمنّيتُ صمتَها ودُجاها

هكذا جئتُ للحياةِ وما أدري
إلى أينَ سوف تمضي الحياةُ
وسأحيا كما يشاءُ ليَ المجهولُ
حيرى تلهو بيَ الظُلُماتُ

إن تمنيت أن أعيش فما يستمع
الموتُ أو يمدُّ السنينا
أو تمنيتُ أن أموت فما يُرحم
حمي ولستُ ألقى المنونا

هكذا، ما يُريدُهُ القَدَرُ المَحْتومُ
لا ما تُريدُهُ آمالي
سَيَّرتني الحياةُ أين ترى مَرْسَى
سفيني وعند أيِّ رمالِ؟

هل أنا الآن حَيْرةٌ وذهولٌ
بينَ ماضٍ ذَوَى وعُمْرٍ يَمُرُّ
لستُ أدري ما غايتي في مسيري
آهِ لو ينجلي لعينيَّ سرُّ

يا ضفافَ الافراح يا ليتني أعرف
شيئاً عن أفقكِ المجهولِ
لم أعدْ أستطيعُ أن أكتم الشوقَ
فأيّان يا ضفافُ وصولي؟

كلُّ شيءٍ حولي يحدّثني عنكِ
ولكن متى يحينُ اللقاءُ؟
فارحميني من قبل أن يحطمَ الموجُ
شراعي وتصخبَ الأنواءُ

آه يا ضفّةَ السعادة ما أنتِ؟
خيالٌ أم واقعٌ مشهودُ؟
أترى قلبيَ الطعينُ سيلقاكِ
أخيراً أم أنت حلمٌ بعيدُ؟

طالما حدّثوا فؤاديَ عن لقياكِ
لكن ما زلتِ حُلمَ صبيِّ
لم أزل أصرف اللياليَ أبكي
وأغني حزنَ الوجودِ الشقيِّ




الآراء (0)   

دعمك البسيط يساعدنا على:

- إبقاء الموقع حيّاً
- إبقاء الموقع نظيفاً بلا إعلانات

يمكنك دعمنا بشراء كاسة قهوة لنا من هنا:




أغنية حب للكلمات (فيمَ نخشى الكلمات)
( 5k | 5 | 11 )
دعوة إلى الأحلام
( 3.8k | 5 | 23 )
يوتوبيا الضائعة
( 2.7k | 5 | 2 )
ذكريات
( 1.5k | 0 | 6 )
خصام
( 1.5k | 0 | 6 )
مرَّ القطار
( 1.4k | 0 | 4 )
مرثية يوم تافه
( 1.4k | 0 | 8 )
الكوليرا
( 1.3k | 0 | 2 )
الأفعوان
( 1.3k | 0 | 0 )
نداء إلى السعادة
( 1.2k | 0 | 5 )
صراع
( 1.2k | 5 | 6 )
كبرياء
( 1.2k | 3 | 1 )
لنكن أصدقاء
( 1.2k | 4 | 6 )
الجرح الغاضب
( 1.1k | 0 | 2 )
ويبقى لنا البحر
( 1.1k | 0 | 2 )
أنا
( 984 | 5 | 5 )
الخيط المشدود في شجرة السرو
( 914 | 0 | 0 )
شجرة القمر
( 813 | 5 | 5 )
جحود
( 781 | 5 | 3 )
النهر العاشق
( 737 | 0 | 0 )
غرباء
( 723 | 0 | 1 )
وجوه ومرايا
( 685 | 0 | 0 )
أجراس سوداء
( 642 | 0 | 1 )
عندما انبعث الماضي
( 639 | 0 | 0 )
ثلجٌ ونار
( 638 | 0 | 2 )
الهجرة إلى الله
( 628 | 0 | 0 )
زنابق صوفية للرسول
( 626 | 0 | 0 )
دكان القرائين الصغيرة
( 625 | 0 | 0 )
طريق حبي
( 592 | 0 | 0 )
إلى الشعر
( 586 | 0 | 0 )
نغمات مرتعشة
( 571 | 0 | 0 )
نهاية السلم
( 561 | 0 | 0 )
صلاة الأشباح
( 560 | 0 | 0 )
أغنية ليالي الصيف
( 550 | 0 | 1 )
خرافات
( 548 | 0 | 1 )
لعنة الزمن
( 546 | 0 | 0 )
في جبال الشمال
( 540 | 0 | 0 )
يوتوبيا في الجبال
( 539 | 0 | 1 )
جامعة الظلال
( 525 | 0 | 1 )
ماذا يقول النهر؟
( 523 | 0 | 0 )
ألغاز
( 498 | 0 | 3 )
إلى العام الجديد
( 492 | 4 | 2 )
إلى وردة بيضاء
( 490 | 0 | 1 )
عروق خامدة
( 489 | 0 | 1 )
الخيبة
( 486 | 0 | 1 )
قبر ينفجر
( 484 | 0 | 0 )
الهاربون
( 478 | 0 | 1 )
الشخص الثاني
( 475 | 0 | 0 )
رماد
( 470 | 0 | 1 )
ميلاد نهر البنفسج
( 468 | 0 | 1 )
إلى عمتي الراحلة
( 459 | 0 | 0 )
إن شاء الله ...
( 453 | 0 | 0 )
السلم المنهار
( 453 | 0 | 0 )
سنابل النار
( 432 | 0 | 0 )
مشغول في آذار
( 426 | 0 | 0 )
تهم
( 422 | 0 | 0 )
سيمفونية السجاجيد
( 421 | 0 | 0 )
أول الطريق
( 406 | 0 | 3 )
صور وتهويمات أمام أضواء المرور
( 406 | 0 | 0 )
أغنية الهاوية
( 401 | 0 | 1 )
جنازة المرح
( 394 | 0 | 0 )
مرايا الشمس
( 388 | 0 | 0 )
الباحثة عن الغد
( 384 | 0 | 1 )
السماء على غابة الصبّير
( 372 | 0 | 0 )
تواريخ قديمة وجديدة
( 325 | 0 | 0 )
السفر
( 311 | 0 | 0 )
مدينة الحب
( 224 | 0 | 0 )
شجرة الذكرى
( 215 | 0 | 1 )
جزيرة الوحي
( 209 | 0 | 0 )
الحياة المحترقة
( 170 | 0 | 0 )
سياط وأصداء
( 138 | 0 | 0 )