رسالةٌ إلى تشارلي تشابلن - وسام دراز | القصيدة.كوم

شاعر مصري يعيش في قرية بسيطة (اسمُها ميت حبيب) بمحافظة الغربية وينتمي إلى أسرة تحب الشعر والفن (1995-)


260 | 0 | 0 | 1



رسالةٌ إلى (تشارلي تشابلن)

في البيتِ الأوَّل ذي الحجَرِ التَّعبانْ

كنا أعمِدةً للبيتِ؛ فلمْ نَخرُجْ
كَيْلَا يَتداعَى..
لم نَخرجْ.. حتَّى الآنْ!

للبيتِ الأوَّل جُدرانٌ باهِتةٌ؛
تلكَ الجدرانُ العَرقانةُ مِن مِلحِ أصابِعنا
/واللونُ المالحُ لا يُشبهُ كُلَّ الألوانْ/

في البيتِ الأوَّل أطفالٌ لا يَعرفُها الشارعْ
لكنَّ التلفازَ الواسعْ
التلفازَ الأبيضَ والأسوَد
لم يُشبِعْ _بقناتينِ وفِيليمينِ وَحيدينِ بسَهرةِ كلِّ خميسٍ_
حُلمَ القفزِ إلى الخارجِ عبْرَ الشَّاشةْ

في البيتِ العرقانِ هشَاشَةْ
المائلِ
لَولا بَيتانِ صديقانِ على جَنبَيْهِ اتَّكئَا
في البيتِ المُنتفِخِ بما يَحويهِ مِن الأحلامْ
في البيتِ البالُون
الطائرِ في ريحِ الأيامْ
قابلتُكَ يا (تشارلي).

مُتَّشِحًا بالأبيضِ والأسودِ كُنتَ تُغنِّي.
في الحفلِ الصامتْ، بمَلامِحِكَ تُغنِّي.
في الليلِ الأعرَجْ،
أَوحَى عُكَّازُكَ للَّيلِ بأنَّ الرقصةَ قد تَكتملُ،
وأنَّ الأعرجَ يرقصُ.. حينَ تُغنِّي.

وحدَكَ كُنتَ هُنا
وهُناكْ..
تَتذكرُ أن التلفازَ سَجينُ البيتِ الأوَّلْ
أنَّ أُناسًا يَختصِرُونَ العالم في التلفازِ المُشْعَلْ
تَتذكَّرُ أن بَياضًا لا يُنكِرُهُ الأسوَدْ
أنَّ سَوَادًا لا يُنكِرُهُ الأبيَضْ
أن اللونينِ افتَرقَا حين اتَّحَدَا
فانسالَتْ فوقَ البيتِ
ملامحُكَ البيضاءُ
السوداء ُ
الهاربةُ مِن الالوانْ.

دُونَ حَراكْ
كنتَ تُحدِّقُ يا (تشارلي) في الكادِرِ ذاتَ خميسٍ
حَدَّقْنا في التلفازِ جَميعًا، نَترقَّبُ ان نَضْحَكْ،
لكنَّكَ لَم ترقُصْ مِثلَ العادةْ.. لَم تَتقافزْ
لم يُبلغْ عنكَ الجيرانُ، ولم يسألْ عنكَ الشُّرطيُّ
ولم تَركُضْ هرَبَا مِن شيءٍ.

حدقتَ طَويلًا يا (تشارلي)
والوقتُ يَمرُّ
ولا يَشغلُنا إلَّا أنكَ لستَ سعيدًا
أنَّ اليومَ خميسٌ
لكنَّا لا نضحكُ مِثلَ العادة.

حَدَّقتَ.. وحَدَّقتَ
وما إنْ قررَ واحدُنا إغلاقَ التلفازْ
حتى امتدَّتْ مِن خَلفِكَ ألفُ ذراعٍ بشرائطَ سَوداءْ،
لَفَّتها مَراتٍ حولَ يديكَ وعينيكَ ورِجليكَ وفوقَ شِفاهِك.
راقَبناكَ ولمْ نَسألْ عمَّنْ كانَ يُقيِّدُكَ
وحينَ اخْتفَتِ الأَذرُعْ
شاهدناكَ تُحاولُ أن تَهرُبَ مِثلَ الدُّودةِ مِن شرنقةٍ قاسيةٍ
فضَحِكْنا يا (تشارلي)!
************

العمرُ انفرَطَ..
سافرنا فوقَ جَناحيهِ،
وفوقَ ملامِحنا حطَّ!

في البيتِ الأولِ أطفالٌ أشباحٌ،
في البيتِ الأولِ تلفازٌ مَحشُوٌّ بالالوانْ،
وفي التلفازِ أُناسٌ مَصبوغونْ.
كيفَ سيبدو (تشارلي) في الألوانْ؟
كيف ستبدو الضحكةُ بالألوانْ؟

البيتُ الآنَ مَليءٌ بالصُّورِ،
وإن حدقتَ
تَعرقَلَتِ النظرةُ في أتربةٍ مُصْطَفَّةْ
حَشَدَتْها الذاكرةُ ليومٍ
سيُقاومُ فيهِ البيتُ الأولُ حَتفَه.

البيتُ الآنَ غريبٌ يا (تشارلي)
والدرَجُ الآن كثيرْ
وأمامَ الدرجاتِ شُجيراتٌ وخَفيرْ
ومَدَقُّ البابِ استبدلناهُ بموسيقَى
لا يسمعها أحدٌ
إذ لا أحدٌ بالداخلِ إلا التلفاز الألوانْ
والزُّوارُ قليلونَ.. ونحنُ الزُّوارْ
كانَ مُتاحًا -بعدَ الغُربةِ- أن نختارَ البيتَ الأولْ
لكنْ نَنسَى بعدَ الغُربةِ- أن نَختارْ!

اليومُ ثلاثاءٌ يا (تشارلي)
اليومُ خميسٌ
الأيامُ خميسٌ
الأيامُ امتزجتْ واختلطَ علينا اليومُ
ما عادت تشغلُنا الأيامْ
لكنَّا قرَّرنا أن نلقاكَ وأن نتذكرْ
فكَّرنا: كيفَ سيبدو (تشارلي) في الألوانِ،
وفي التلفاز الأكبرْ؟

شاهدناكَ وما زلتَ -برغمِ التكنولوجيا والعُمرِ- كما أنتْ!
مُتشحًا بالابيضِ والأسود كنتْ!
مِثلَ الدودةِ مَلفوفًا بشرائِطَ سوداءْ،
كنت تحدق يا (تشارلي) في الكادرْ
حدَّقنا في التلفازِ الفاخِرْ
وشعرنا أنكَ تَتفحصُنا
وكأنكَ تسألُنا عنَّا!
حدَّقتَ، وحدَّقْنا، والوقتُ يَمُرُّ،
وما إن قررَ واحدُنا إغلاقَ التلفازْ؛
حتى امتدتْ من خلفِكَ ألفُ ذراعٍ بسَكاكينْ!
مَزَّقَتِ الأسْودَ مِن حولِك،
ثُم اختفت الأذرُعْ.
شاهدناكَ وأنتَ تدير إلينا الظهرَ وتَمشِي!
لَمْ نضحكْ يا (تشارلي)!
وانكسرَ التلفاز.


الآراء (0)   

دعمك البسيط يساعدنا على:

- إبقاء الموقع حيّاً
- إبقاء الموقع نظيفاً بلا إعلانات

يمكنك دعمنا بشراء كاسة قهوة لنا من هنا: