حناء عشتار - نزار النداوي | القصيدة.كوم

شاعر ومترجم عراقي صدر له: من أين لنارك هذا الثلج وممالك مسروقة الوقت (1962-)


3373 | 5 | 0 | 1




قليلٌ من العيد رافقني
في الطريق إلى منزل الياسمينِ
ورافقني- وأنا أقطع الدربَ – قلبي
وعينان مجنونتانِ
وتعويذةٌ لم أزل أتعمّدُ أكتُبها
بحروفٍ - كما نهدة الرّيح- شفافةٍ
فهي ليست تُرى
إنّما تُشعلُ القلبَ شيئا
تقولُ النّوارسُ في وصفهِ
هو مثلُ احتفاء الحقولِ بدفء المواسمِ
عاقرتُها حُلُما غجريا
يُسابقُني وأنادي عليهِ
أعرْني جنونا أسافرُ فيهِ
فقد مدّني القدرُ المتعرّشُ روحيَ
أشرعةً لا تُغادرها الرّيحُ
واستأذن القلبُ وحشتهُ
بالدّخول إلى نشوةِ البحرِ
داعبتُها موجةً ثم أخرى
فخاصرة ثمّ أخرى
وسامحتُ قاتلتي
فأنا أقفُ الآن عند احتفاء القناديلِ
باللمساتِ الأخيرةِ للّيلِ
كانت تُخصّلُ ذات مساءٍ نجوما
تُلوّح للحُلم
والشّعر
والأغنياتِ
وما نفثتهُ سجائرُنا شهقاتٍ
وأشياءَ أجهلُها
والمناديلُ
وافتُتح الكرنفال
.
كثيرٌ من النّزواتِ وشيءٌ يسيرٌ من الأمنيات
كأني أريدُ أطهّرُ قلبيَ من دَنَس الحُب شبهة
استنزف العمرَ مُصادفةٍ
أجرت الرّيحُ شهوتها
في مقاهي المدينة عاريةً
ثم عادت تسبُّ الزّمان الرديء
زمانَ المقاهي المليئة بـ "الخردة" المفلسينَ
خيوطٌ من الذكريات المبعثرة اجتمعت
لوحّت لي
أنا المتسكّعُ في اللازمان
وكانت دمشقُ على عهدي المُستديم بها
ليلُها
دفءُ حاراتِها
بعضي المُتناثرُ فوقَ أزقّتها
والعيونُ التي قتلتنا
.
ونادي بي الموسلينُ
بمحضِ انحسارِ قميص البساتين شيئًا
فما فَضَحَتني سوى لُغتي
والنساءُ التي زغردت بفمي
والأراجيحُ التي هدهدتني
وأعترفُ الآن
إنّي تحيّنتُ لحظتها
حين كان الترابُ
يراودُ رائحةَ الماءِ عن نفسها
كيف طافتْ بنا نُزهةٌ أغوت اللّحظات
بألف متى يقلبُ الصّمتُ فنجانه
- وأشم مضاربَ قومي
-وتلك البيادرُ كم راكضتني سنابلها
-فالسلامُ على أسمر القمح
-قلتُ: سلاما
وأرشفُ قهوتَكَ العربيةَ
أسئلةً لم تُجبْ حين سائلتُها
كيف أيقظَتْ من أغفَلَ العمرُ سهوا ؟
تعرّشتُهُ
أتوسّلُ بالأبجديةِ
أنْ لا يخون مزاج النصوص حروفيَ
أن لا يهون عليه وقوفي لدى بابِهِ
أنتحي بمفاتيحِهِ
وهيْ مثقلةٌ بالتّردّدِ
أرهقها الشكُّ أنْ لا يُراقصَ أحلامَها مطرٌ
يغسلُ الانتظارَ المؤجّلَ
.
أذكرُ أني رسمتُ على خصرها
دهشتين ارتجالا
فماذا؟
تذرّعَ وجهي بسيدهِ
ثمَ في لحظةٍ
كشف النصُّ عن دهشتيهِ جريئا
وجنيّةُ الروحِ قصّتْ حكايتها للسّرير
هُنا احتفلَ العمر بالزّمن الضائع القسمات
وما بين قوسين
كان الخيالُ انفعالاتُ نفسٍ
وقد نبذتْ كلُّ أوجاعها
القلقُ
الخيبةُ
الأزماتُ
الأزقّةُ
والسّفرُ اللامكان
وما بين نهدين
كان السريرُ مدينةُ عشقٍ
قد استنفرت كل أشيئاها
الجسدُ
الفرحُ
الصخبُ
الهمساتُ
العشاءُ الذي أولمته المدينةُ
للزائرِ المتسللِ طفلا إلى القلقِ الأزليّ
.
فجئتُ أمرُّ على غابةِ التينِ في ساعةٍ
يشطبُ الله فيها براءةَ أمّ
وما كنتُ أكثرَ من هذيانيَ فيكِ اتزانا
ولم يُزرّر الليلُ أزراره
قبل أن أستحمّ بليل دمشقَ
يُعاندني عقربُ الوقتِ مُستعجلا
والمؤذنُ نادى الصلاةَ
تصفّحتُ ذنبيَ
قال المقامَ حِجازٌ
تذكّرتُ كم من هُنا مرّ عمري رحّالةً
والمدائنُ لم تتسع لظلاليَ ساحاتُها
وشوارعُها سألتْ: من يكون ؟
أنا يا شوارعُ مستطرقٌ لا يُكلّفُ أرجوحةَ العيدِ
غيرَ دقيقةَ صمتٍ على بعض خيباتِهِ
من مناخٍ أنقّلُ خابيتي لمناخٍ
ومن مشهدٍ أرتمي بيدي
تستبيني لمشهدٍ
استنزفتني ملاهي الحكايات قيد ثلاثين عاما
مسافة شرطين
أن لا أغادرَها
أي جبريةٍ هذه
فهي تقطفُ ميراثها مُسبقا
قبل أن تصدر التوصيات
التي تحتفي بسقوطي من سلّم الاحتمالات
مهملة وحشتي تحت مجهرها الجدليّ
وقد أسلمتني الدروبُ لما وسعتْ حيرتي
والسؤالُ القديمُ القديمُ
يصيحُ بها:
أيُّ بابٍ سيُفضي
إلى ما يكونُ ختامَ الكلام؟
ولكنها أسلمتني الدروبُ
كما أسلمتني يداكِ لدى غابةِ المِسك
أغري بعطرك عرشَ النجوم
لأخرج من زمنٍ
سفّهتْ غنجهُ القبراتُ
وأدخلَ في زمنٍ آخر
أتواءمُ فيه وما منحته الدروبُ
قليلا من العيد
لا يسقطُ المشطُ من يده
بعد أوّل ليلة عرس

بيروت نيسان 2010


الآراء (0)   


الموقع مهدد بالإغلاق نظراً لعجز الدعم المادي عن تغطية تكاليف الموقع.

يمكنك دعمنا ولو بمبلغ بسيط لإبقاء الموقع حياً.