منجلٌ لا يقصُّ الشجر - محمد البريكي | القصيدة.كوم

شاعرٌ إماراتيٌّ (1980-) يدير بيت الشعر في الشارقة.


250 | 0 | 0 | 0




أيُّها الطيّبونَ
المُحبّونَ لِلْعَزفِ والقافيةْ
أنا أتَسكّعُ حولَ الحِمى
وأصَبِّرُ جوعي بِصَوْتِ العصافيرِ
أهربُ مِنْ لَهبِ الصَّيْفِ تحتَ ظلالِ الحُروفِ
وإنْ كانتِ الرُّوحُ طفلةَ حارتِنا
تَتمشّى على جَمْرِ هذا اللهيبِ
وأقدامُها حافيةْ.
أنا ولدٌ حينما لَفَظَتْني الحياةُ إلى نَخْلِ قريتِنا
لَمْ أدرِّبْ جُنوني على عَقْدِ صَفْقَةِ حُبٍّ معَ العذقِ
ما كُنْتُ أعْشَقُ جَوّافةً تَسْتريحُ على ضِلْعِ شَجَرةِ مانجو
وما كُنْتُ لِصّاً
لأخطفَ منها الثّمارَ
وأُسْكِتَ أحلاميَ الخافِيَةْ
قلتُ:
لا شيءَ لي فَوْقَ هذا الثّرى
فأنا ما وُلدتُ لأحضُنَ لَيْمونةً
وأراقبَ غِزْلانَ تلكَ الحقولِ التي لا تراني
نَحيلٌ أنا مِثْلُ عُودِ القَصَبْ
قدْ تمُرُّ الفَراشاتُ حَوْلي
الصّبايا، العُطورُ، المَلابسُ
تَلْمَسُ روحي
ولكنّها لا تُفكِّرُ أنْ تَلْمَسَ العودَ
بل رُبّما فكرتْ أنّهُ قابلٌ للوقوعِ على الأرضِ
أو ربّما الكَسْرِ
قلتُ: سأخرجُ من وَحْشةِ الحَقْلِ
أتركُ أشجارَهُ
والغَزالاتِ
والطّيرَ والبِئرَ والسّاقيةْ
فأنا عاشقٌ ليسَ لي غيرُ هذا الظلامِ
أخاتِلُهُ
وأرى نجمةً جلسَت وَحدَها
وأنا في الظلامِ الوحيدُ
أفكّرُ كيْفَ أنَوِّمُ هذا الظلامَ
وأصْعَدُ.. أصْعَدُ
كي أخْطِفَ النَّجْمةَ العاليةْ

ليسَ لي غيرُ هذا الذي ورّثَتْهْ العصورُ لحُلمي
أبي كانَ يحلُمُ أنْ لا أغادرَ مِحْرابَهُ
وأنا كنتُ أنوي الدُّخولَ إليهِ
ولكنَّ عصفورةً فوقَ مئذنةِ الحيِّ
كانت تُغنّي
"قِفا نبكِ"
قلتُ سأمسحُ دَمْعَتَها
ثُمَّ طارتْ
تَعَكّزَ قلبي على الرّيحِ يَتْبَعُها
فإذا بامْرئِ القَيْسِ يَجْلِسُ في أوّلِ الضَّوْءِ
ثُمَّ هناكَ جَريرُ، الفَرزدقُ، بشّارُ، والمُتنبّي،
المعرّي، ابنُ زيدونَ، ولّادةٌ،
وكثيرٌ منَ الضَّوْءِ يجذبُ قلبي الذي صارَ مِثْلَ الفَراشةِ
تَهْرُبُ للضَّوْءِ
والشَّهْقَةِ الحارِقَةْ.
جِئْتُكُمْ أيُّها الطّيّبونَ بأحْلامِهِم
وبأحْزانِهِم
في يدي سَيْفُ عَنْترةَ الآنَ لا يَعْشقُ الحَرْبَ
بل يتزيّا بهِ ليَحوزَ رضا ابنةِ مَالكِ
جِئْتُ بجُدرانِ ليلى
وشَيَّدْتُ بيتاً أنيقاً بلا مدخلٍ
ربما أتسلّى بأحْزانِ مجنون ليلى
وأشهدُ قَلباً حَزيناً بكى
فتفجّرتِ الأرضُ ماءً
نعيشُ بهِ اللّحْظةَ الباقيةْ

أيُّها الطيبونَ
أنا ابنُ الحقولِ
أبي مِنْجَلٌ لا يقصُّ الشجرْ
يُهَذِّبُ ما يزعجُ الدربَ والعابرينَ
ولا يتجنّى على طَلَلٍ
أو حَجَرْ

أيُّها الطيِّبونَ
إذا بَدَأَتْ أغنياتُ المحبِّ "بسِقْطِ اللّوى"
تبدأُ الأغنياتُ الأنيقةُ أيضاً
على بابِ حقلٍ قديمٍ يَحُكُّ بأطلالِهِ الغيمَ
تبدأُ أيضاً على ضفّةِ النهرِ
أو ساحلٍ
أو خيالْ
فلا تشغلوا النايَ حينَ يغنّي
بهذا الجِدالْ
الطريقُ المُؤدّي إلى البيتِ
قلبُ عجوزٍ بَكَتْ طفلَها بعدَ أنْ خَطَفَتْهُ الرصاصةُ
هلْ سأدوسُ على قلبِها
أمْ سأمسحُ دمعتَها النازفَةْ؟

أيُّها الطيّبونَ
عليَّ،
عليكمْ
على إرثِنا الأبديِّ السّلامْ.

---------
من ديوان "الليل سيترك باب المقهى"



الآراء (0)   

دعمك البسيط يساعدنا على:

- إبقاء الموقع حيّاً
- إبقاء الموقع نظيفاً بلا إعلانات

يمكنك دعمنا بشراء كاسة قهوة لنا من هنا: