لا شيءَ يُذكَرُ في السجونِ
الوقتُ يشبِهُ نفسَهُ
والضوءُ يشبِهُ نفسَهُ
والبابُ والسجّانُ والجدرانُ والجرذانُ
والأفراحُ والأحزانُ
والأملُ "المجنْزرُ" في زوايا غرفةِ التحقيقِ
والآهُ التي بدأتْ تَجِفُّ وحلقُها لا ينتهي
الكلُّ يشبِهُ نفسَهُ... إلاّكْ

إلّاكَ حينَ تُعيدُ فَهْمَ الكونِ
حينَ تُرَتِّبُ الدُّنيا كلُعبةِ أحرفٍ
فتضيءُ شمسًا
إنْ أردتَّ..
تعيدُ لي ولعروةٍ في الليلِ نجمَتَنا
وتصيرُ أنتَ حقيقةَ الدنيا
وتصيرُ كلُّ الكائناتِ مجازَ فِكركَ
لم تعد وَلِهًا بتأويل النبوّة والرؤى
إلا نبوءَتك التي أُنْسِيْتَهَا ورؤاكْ

الكلُّ يشبه نفسهُ إلاكَ
حينَ بشهوةِ التحليقِ والتحديقِ
تبتكِرُ المكانَ..
تُريحُ رأسَكَ فوق ظِلِّ حديقةٍ
نهرٌ يمرُّ على يمينِكَ مُسرعًا
أرجوحةٌ فوقَ البنفسجِ
رايةٌ بيضاءُ
طيرٌ ريشُهُ لونُ الغناءِ
سَكِيْنَةٌ..
ويضجّ شعرٌ بالهواءْ

إن شئتَ تأتي بالأحبّةِ كلِّهم
أمٍّ وبضعةِ إخوةٍ..
وأبٍ يلملم ما تبقى من كلام الله حول ردائهِ
تُلقي أغانيك الشريدة بينهم
كالناي في حقلٍ من القصب الذي يشتاقه
ويُغازِلُ القلبُ الحبيبةَ في خفاءْ

الكلُّ يشبه نفسه إلّاكَ
أنت هنا بقايا شهوةٍ..
وهناك قد كنت المُحاصَرَ والمُحاصِرَ والحِصارَ
يجيءُ من أقصى جنوبِ الذكرياتِ برجفةٍ
صوتٌ غريبٌ نازفٌ:
‏(يا ربُّ إنّ السجن أوسع من بلادي كُلِّها
‏يا ربُّ ماذا لو انتصرتَ ب كربلاءْ؟)
الكلُّ يشبهُ نفسه.. إلّاكَ
حين تقولُ للدنيا وللسجانِ إنّك لم تزل حيّاً
تقَول بأن قضبانَ السجون تقلَّصتْ..
وبأن صبرَكَ صار داءْ
وبأن موسيقى من الغضب الجميل الآن تعزفُ في الزوايا
فاستمعْ..
إنَّ الدماءَ تُجيدُ توزيع الموسيقى
تضبط الإيقاعَ ثوريًّا..
تُدَوْزِن خوفنا..
وتحوِّلُ الأحزانَ ماءْ

الكل يشبه نفسه.. إلاكَ
حين تحارُ قضبانُ السجون بلحظةٍ
ما بين سجّانٍ وبينكَ!
مَنْ أمامَ حديدها حرًا وممتدًا
ومن يغتاله عجزٌ خفيٌّ في الوراءْ؟

هذا اضطرابٌ في الزمانِ وفي المكانِ وعِلّةٌ
أنت المُعافى منهما..
ومن اختبارات الحقيقةِ في البقاءِ أو الهلاكْ

‏أمْسِكْ عليك الذكرياتِ..
وعِشْ "كأنك لم تكنْ"
‏لا شيء يُذكرُ في الحياةِ..
‏الموتُ يشبه نفسهُ
‏والعشق يشبه نفسهُ
‏والبحرُ والشطآنُ والجزرُ القريبةُ والبعيدةُ والمدى
‏الكلُّ يشبهُ نفسهُ ... إلّاكْ