نُزولًا إلى طَبَرِيّا كأَنّكَ تَصعَدُ - مهند ساري | القصيدة.كوم

شاعرٌ أردنيٌّ (1968-) يحمل الدكتوراة في الأدب العربي. قصيدته مشغولةٌ. يتخفّى عن الأنظار، ليكونَ أول من ينحسر الماءُ عنه لحظة انتهاء الطوفان.


162 | 0 | 0 | 0




.....
مَسارِبُ لَيلِكَ ، في اللّيلِ ، غامِضَةٌ /
عن يَمينِ الجِبالِ ،
شَمالًا شَمالًا .. إلى حيثُ
تَبدو البُحَيرَةُ ،
كان دمٌ يتلأْلأُ في اللّيلِ ...
كنتَ تَرَى جَبَلًا مِن عَلٍ
نازِفًا في الوُجودِ القِياميِّ
كنتَ تقولُ :
أُحِسُّ بِهِ الآنَ ،
إنّي أُحِسُّ بأَوْجاعِهِ .. وَأَرَى
.
.
مَسارِبُ صمْتِكَ ، في اللّيلِ ، هادِرَةٌ /
لن تنامَ الطُّيورُ الّتي وَقَعَتْ
حَوْلَ قلْبِكَ هذا المساءَ
وقد تَتعَوّدُ ، عندي ، البقاءَ
على حافّةِ النّومِ ...
والنّومُ هاوِيَةٌ تَصعَدُ الرُّوحُ فيها
إلى شأْنِها ،
ولِشَأْنٍ – سِواهُ – خَفِيٍّ
تَعُودُ .. إلى بَيتِها القَهْقَرَى !
.
.
مَسارِبُ للرُّوحِ ما بينَ صحوٍ ونَومٍ
لهذا الفراغِ القِياميِّ مُمْتلِئًا وخفيفًا /
إذا ازدَحَمَتْ ، في أعالي السّماواتِ ، أرواحُنا
خَلَتْ ، بَعدُ ، منها الجُسومُ الطّرِيّةُ
أوْ أقفَرَتْ في الظّلامِ
أَسِرّةُ نَومِ القُرَى
.
.
مَسارِبُ قَلبِكَ ، في اللّيلِ ، مثْلَ
الخيالاتِ .. عاصِفةٌ /
صُعُودًا إلى طَبَريّا الفَتاةِ — البُحَيرَةِ
بينَ وُجُودَينِ مُنعَقِدَينِ بماءٍ وَأَنفاسِهِ
تمامًا كما انعَقَدَ الضّوءُ
في لَيلِ لُؤْلُؤَةٍ
أَو
جَرَى !
.
.
مَسارِبُ شِعريّةٌ /
مثلَ لَيلِ الحَنينِ
ومثلَ انبعاثِ النّباتِ مِنَ الصّخرِ والكَلِماتِ
ومن كُلِّ شيءٍ بهذي المَساربِ ليلًا …
ستَمضي بها خلفَ ريحِ الحياةِ
شَمالًا شَمالًا
إلى طَبَرِيّا الفَتاةِ الّتي خَلَعَتْ
كُلَّ أَطمارِها ، واكتَفَتْ
بالرّذاذِ .. وسُنْدُسِها
رُبّما
يَتَمَوّجُ عُريُ البُحَيرَةِ في عُريِهِ .. خَفَرا !
.
.
إلى طَبَرِيّا ، نُزُولًا ، كأَنّكَ تَصعَدُ /
لَمْ يَترُكِ الطّيرُ لي أثَرًا
نادِيًا في الهواءِ لأَرشُفَهُ شاكِرا
ولا أَثَرًا راسِبًا في السّماءِ
لأَتْبَعَهُ .. مُغْمِضًا مُبْصِرا
وأَعرِفَ فوضى الحُدودِ هنا ...
ما الحُدودُ هنا يا تُرَى ؟!
ولم يَترُكِ النّمْلُ لي
وَخْزَ خُطوَتِهِ إِبَرَا
لِأَخِيْطَ دَمًا بِدَمٍ
أَوَ ثَرًى بِثَرَى !
.
.
حياتي مسارِبُ ، في الأَرضِ ، لَيلِيّةٌ /
في نهاري وَجَدتُ الحياةَ
وفي ليلِهِ عِشْتُها
وَوَزّعتُ وقتي على الشّفْرتَينِ معًا ...
رُبّما الصّحوُ ، ذَبحًا ، أَخَفُّ على
الرُّوحِ
– قبلَ الذّهابِ بِرُفْقَةِ هذا الوَرَى –
منَ النّومِ .. مُنتَحِرِينَ .. ومُنتَحِرا !
.
.
قِياميّةٌ هذهِ الكلِماتُ الّتي
ذَهَبَتْ بكَ ، ليلًا ، إلى طَبَريّا
فصادَفْتَ وَقتَيكَ :
وقتَ الحياةِ ،
ووَقتَ الكتابةِ .. فيها معًا
مَدًى
طافحًا .. مُمْطِرا
.
.
مَسارِبُ ... /
كنتَ تَخِيْطُ فُتوقَ الحنينِ وتَسأَلُ :
ما صَنَعَ الشّيخُ ، يا جَبَلَ الشّيخِ ؟ !
* قَصَّ على ذِرْوَتي ، أَوّلَ الدّهرِ ، لِحيَتَهُ
عندما مَلَّ بَردَ الرّياحِ وعُزْلَتَهُ
ثُمّ أَبصَرتُهُ نازِلاً للبُحَيرَةِ مُسْتَعِرا !
ولكنّهُ لم يَعُدْ بَعدَها !
رُبّما ظَلَّ يَشْرَبُ من ماءِ تلكَ الينابيعِ في
القاعِ ، أو (…) /
* لا تَقُلْ ! ليسَ شَيخُكَ عندي بِمُتّهَمٍ
وماذا ، إِذًا ، لو تزوّجَ هذي البُحَيرَةَ ؟ !
إنّ الغِواياتِ تَفْعَلُ فَعْلَتَها بالغُلامِ وبالشّيخِ
فاحرُسْ هواجِسَ عُزْلَتِهِ مِثلَما هيَ
بيضاءَ مِن غَيرِ صاحِبِها
وإنْ أَحَدٌ جاءَ يَسأَلُ عنهُ
فقُلْ : نائمٌ تحتَ لِحيَتِهِ ،
نامَ شَيخِيَ .. مِن تَعَبٍ باكِرا
.
.
ويا طَبَريّا ، تَعُدِّينَ عُمْرَكِ بالقَطَراتِ
ولا تَكْبَرينَ
ولا تَسأَمِينَ بِوَقتِ المكانِ هُنا !
وأَعُدُّ أَنا العُمْرَ بالطّعَناتِ
وأَكْبَرُ .. جُرحًا فَجُرحًا ...
بلادي الكثيرةُ مَجروحةٌ كُلُّها الآنَ يا طَبَرِيّا
وقد يُصبِحُ المرءُ
أَصغَرَ مِن قلبِهِ إذْ يَحِنُّ
وأَكبَرَ .. مِن عُمْرِهِ .. أَكبَرا !
.
.
وُلِدتُ على بُعدِ هذي السّحابةِ عنكِ
هنالِكَ في زَمَنٍ لم تَجِفَّ مَشِيمَتُهُ بَعدُ …
إنّ بلادي هنا وهناكَ ، حَوالَيكِ ، يا طَبَريّا
وأَنتِ القديمةُ في الأَرضِ ،
ماذا وَجَدتِ بها غيرَ وَجْدٍ
يُعَذِّبُ شيخًا هَوَى مِن عَلٍ
عندما ذابَ وَجْدًا ؟!
إذًا ، أَنْبِئيني لكي أُخْبِرا !
تَجَمّعَ في غَوْرِكِ الماءُ حتّى امْتَلأْتِ بهِ
رائِحًا غادِيًا
نازِلاً صاعِدًا
ماكِثًا .. زائِرا
وسَكَنْتِ ابتِهاجًا بما قد مُلِئْتِ بهِ
ولكنّني قد مَشَى الماءُ في جَسَدي فَمَشَيتُ
وَجَدْتُ كتابَ الوُجودِ طَرِيًّا
–كأَنْ كُتِبَ الآنَ –
لكنّهُ ناقِصٌ
بُعدَ ما بَينَنا .. أَسطُرا !
.
.
أَلَم تَتْعبي مِن تَقَلُّبِ هذي الممالكِ حَولَكِ ؟!
أمّا أنا فَتَعِبتُ ،
تَعِبتُ لكَثرَةِ ما يَتَقَلّبُ فيَّ الحنينُ
شَمالًا وغَربًا
شَمالًا وشرقًا ...
كأَنّ الشّمالَ هوَ القلبُ لا جِهَةُ القَلبِ
في الأرضِ والنّاسِ !
في البَدءِ كانَ الشّمالُ
وكانَ بِهِ الضّوْءُ مُنكَسِرا
واكتَوَتْ بالحنينِ الجِبالُ
رأَتْ .. طِفْلَها الماءَ .. مُنحَدِرا
.
.
[ سَلامٌ على طَبَريّا التي امتلأَتْ
بالسّماواتِ والأَرضِ
مِن مَشرِقِ الشّمسِ حتّى
نهاياتِ خَطوي .. بهذا السُّرَى ]
.
.
سلامٌ على طَبَرِيّا ، خَلَتْ باكِرا
مِن هُمومِ الجِبالِ الّتي ازدَحَمَتْ
حَولَها
وما ذَهَبَتْ
بَعدُ ، للنّومِ مُذْ خُلِقَتْ ...
رُبّما اختارَ عُنصُرَهُ الصّحوُ
أَو
لونَهُ السّاهِدَ السّافِرَ الأَخضَرا
.
.
وسَلامٌ على رُوحِها سَكَنَتْ
في الرّذاذِ المُضَوَّعِ في جُؤْنَةِ اللّيلِ …
هذا لِتَسْلُكَ فيها مَسارِبَ للشِّعرِ سِرّيّةً
وهذا لِتَعرِفَ كيفَ تنامُ إذا نِمْتُ
أَو كيفَ تَصحو
وكيفَ تَعيشُ بِضَوءِ الرّذاذِ القِيامِيِّ وَقتَينِ :
وقتًا هُنا ، حينَ تَمْشي
شَمالًا شَمالًا
إلى لَيلِها .. شاعِرَا
وآخَرَ
حينَ تَطِيرُ إلى طَبَرِيّا
حَنينَ دمٍ
يُباغِتُ فيكَ .. دَمًا آخَرَا
*
*



الآراء (0)   

دعمك البسيط يساعدنا على:

- إبقاء الموقع حيّاً
- إبقاء الموقع نظيفاً بلا إعلانات

يمكنك دعمنا بشراء كاسة قهوة لنا من هنا:




لا تكُنْ عاطفيّاً
( 3k | 0 | 0 )
ألواح من أيام الطُّوْفان لشاعر مجهول-
( 2.2k | 0 | 0 )
منزل أول
( 2.2k | 0 | 2 )
أَعِدُ الموتَ أَنّي.. سأَخْذُلُهُ
( 2k | 0 | 0 )
بماذا تفكر
( 2k | 0 | 0 )
ما اسم هذا الشيء
( 2k | 0 | 0 )
لم لا أستطيع مع الوقت نسيانها
( 1.8k | 0 | 0 )
أخي في القصيدة
( 1.7k | 0 | 0 )
تذكرت
( 1.7k | 0 | 0 )
ضباب على الماء
( 1.7k | 0 | 0 )
وحش البحيرة
( 1.7k | 0 | 0 )
أُغْنيةٌ بيْضاء للدُّوريّ/ كِذْبَةٌ بيضاءُ لي
( 1.7k | 0 | 0 )
في الغرفة الاخرى
( 1.7k | 0 | 0 )
أنظم وقتي لفوضاي
( 1.7k | 0 | 0 )
قُرْعَة
( 1.6k | 0 | 0 )
حفريات جديدة في تل قديم
( 1.6k | 0 | 0 )
رمانة إبراهيم
( 1.6k | 0 | 0 )
ستَّ عشرةَ أَيقونةً إلى حسن
( 1.6k | 0 | 0 )
صرت ما كنت أخشى
( 1.6k | 0 | 0 )
هي ترقص
( 1.5k | 0 | 0 )
هُوَ قيسُ الأخير
( 1.5k | 0 | 0 )
في الحروب
( 1.5k | 0 | 0 )
أزور دمشق
( 1.4k | 0 | 0 )
للطّائرات أَقول
( 989 | 0 | 0 )
لِتَبْكِ الحمامَه
( 563 | 0 | 0 )
لا أَفْهَمُ الدُّعْسُوق
( 553 | 0 | 0 )
لا تُسَمِّ بلادَكَ
( 412 | 0 | 1 )
عن شَجَرِ الجميل
( 408 | 0 | 0 )
كي لأمْشي وأَقْطعَ هذا الطّريق
( 406 | 0 | 0 )
هكذا الكلماتُ تفْعَل
( 390 | 0 | 0 )
كَسَلٌ عاطفيّ
( 361 | 0 | 0 )
فقط اخْرُجْ
( 357 | 0 | 0 )
خَلُّوا طريقَ الكلامِ لهُ
( 284 | 0 | 0 )
سَرَطان
( 247 | 0 | 0 )
لَسْتَ أَنْتَ الّذي تَتَكلَّمُ، بَلْ هيَ
( 108 | 0 | 0 )