تحْتَ القُبَّةِ الخَضْرَاء - قحطان بيرقدار | القصيدة.كوم

شاعرٌ سوريٌّ (1977-) "أفرغَ الكأس واختفى في الضباب".


1592 | 0 | 0 | 0




وَمَرَرْتُ بِالشَّبَحِ الذي‏
قدْ كُنْتُهُ يوماً‏
فما رَدَّ السلامَ عليَّ‏
أَنَّبَنِي وقالَ:‏
ــ خَرَجْتَ عَنِّي‏
مُذْ وَطِئْتَ الأرضَ‏
بِالْقَدَمِ التي زَلَّتْ قُبَيْلَ ثُبُوتِهَا‏
وتَرَكْتَنِيْ لأَغِيْبَ في كَنَفِ الوُضُوحِ..‏
ألستَ أنتَ المُقْتَفِي أَثَرَ الغِوَايَةِ؟!‏
لمْ أَقُلْ قَوْلاً ثقيلاً‏
بلْ صَرَخْتُ:‏
ــ أنا الذي حَمَلَ الغِوَايةَ كُلَّهَا‏
مُنْذُ التَّخَلُّق..‏
لمْ أَفُزْ بِدَمِ المَلائِكِ وَالْغِيَابِيِّينَ..‏
لكنّيْ حَظِيْتُ بِأنْ أَعِيشَ تَحَوُّلاً‏
لا يَنْتَهِيْ..‏
ومَضَيْتُ ليْ بينَ الفُصُولِ‏
تَجَلِّيَاتٌ لستُ أُدْرِكُها‏
وأُشْرِبْتُ الرَّبيعَ‏
وما يُفَتِّحُهُ مِنَ الأَوْجَاعِ‏
في جَسَدٍ تَعَرَّى في الهَواء الطَّلْقِ‏
لِلنَّسَماتِ وَالطَّعَنَاتِ‏
لمْ أَمْلِكْ دَمِيْ‏
وتَرَكْتُهُ لِيَسِيْحَ بِيْ‏
ويَصُبَّ في لُجَجِ الْحُضُورِ..‏
ألستَ أنتَ المُقْتَفِيْ الغِيَابِ؟!‏
أَجَابَنِيْ شَبَحِي:‏
ــ الْخَيالُ يَقُودُنا نحوَ المُحَالِ‏
وكُلَّما اشْتَعَلَتْ رُؤَاكَ‏
تَكاثَفَتْ سُحُبُ الحقيقةِ‏
في سَماءِ الوَهْمِ..‏
قَلْبِي مُطْمَئِنٌّ‏
لا يُكَدِّرُ أيُّ شَكٍّ‏
رَاحةَ البَالِ التي أَنْسَابُ فِيها‏
جَدْوَلاً مُتَرَقْرِقَاً في الْفَجْرِ‏
يَسْقِي بِاليَقِينِ الرُّوْحَ‏
لا صَحْرَاءَ تَدْنُوْ مِنْ جِنَانِيْ‏
لستُ أَغْفُوْ‏
إِنَّنِي صَحْوُ الزَّمَانِ..‏
أَعادَنِيْ شَبَحِيْ إلى لُغَتِي القديمةِ‏
فَارْتَعَشْتُ وغِبْتُ في وَجَعِي قليلاً‏
ثُمَّ أَلْقَيْتُ الكلامَ بِلا زَخارِفَ:‏
ــ أنتَ مِنْ صُنْعِيْ‏
فَكيفَ تُحاوِلُ الإِفْلاتَ مِنِّي؟!‏
ما خَرَجْتُ‏
وإنَّما أُخْرِجْتُ عَنْكَ‏
إلى بِلادٍ قدْ تَماهَى الموتُ فيها‏
بالحياةِ‏
وَأَقْفَرَتْ فيها الرُّبَا‏
مِنْ زَهْرِها النَّارِيِّ‏
لا أضواءَ تَسْطَعُ في لَيالِيْهَا..‏
مُحَطَّمَةُ الْجُسُورِ‏
وليسَ فيها ما يُحِيْلُ إلى الأُنُوثَةِ‏
في مَعانِيْها القَصِيَّةِ..‏
تَسْتَويْ فِيْهَا النَّقَائِضُ...‏
والشَّوَارِعُ كيْ تُشَكِّلَ بِالغُبَارِ‏
مَشاهِدَ المَنْفَى‏
وَسِيْمَاءَ الرَّحِيلِ‏
هَرِمْتُ فيها‏
فَانْحَسَرْتُ معَ الأصيلِ‏
إلى مَجاهِيلِ التَّوَحُّشِ والهُيَامِ‏
فَأينَ أنتَ الآنَ‏
في تَغْرِيْبَتي السَّوداءِ؟‏
أَوْغِلْ في مَدايَ‏
فَرُبَّما عُدْنَا معاً‏
نحوَ اليَنابيعِ السَّنِيَّةِ‏
وَابْتَدَأْنَا مِنْ جديدٍ‏
رِحْلَةَ الْجَرَيانِ‏
تحتَ القُبَّةِ الخضراءِ‏
وَاتَّضَحَتْ جِنَانُ الأرضِ أكثرَ‏
وَاسْتَوَيْنَا قَائِمَيْنِ‏
وقدْ تَماهَيْنا بِنُورٍ‏
وَاتَّحَدْنا كَوْكَباً‏
يَجْلو الحقيقةَ في الزَّمانِ وفي المكانِ...‏






الآراء (0)   

دعمك البسيط يساعدنا على:

- إبقاء الموقع حيّاً
- إبقاء الموقع نظيفاً بلا إعلانات

يمكنك دعمنا بشراء كاسة قهوة لنا من هنا: