التعاويذ المضادة للطائرات - سميح القاسم | القصيدة.كوم

شاعر فلسطين ارتبط اسمه بشعر الثورة والمقاومة من الداخل، وهو عضو سابق في الحزب الشيوعي (1939-2014)


489 | 0 | 0 | 1




نحن في عزّ الظهيرهْ،
نصفُ قرص الشمس يبكي في الزقاق
والدجاجاتُ يولولن، على وقع البساطير الكبيره
وأبي يحشو رصاصات غبيه
في بقايا بندقيه
بين إلحاحِ نداءات الرفاق:
"راحت البروةُ (1) .. يا ويلي على تلك الشقيه"
وعلى "الليّات" .. يشتدُّ الخناق.
* * *

كنتُ طفلاً آنذاك
كنتُ أمتصُّ حليب التاسعه
وحليب الفاجعه
كنتُ جدياً حالمَ العينين،
من حوليَ آلافُ الشِباك
يوم قالت ليَ أمي بارتباك:
"هذه الليلة لا تخلعْ ثيابكْ
ساعةَ النوم،
ولا تخلعْ حذاءك!"
لم أكن أفهمُ ما تعنيه بالضبط،
ولكني بكيتُ!
* * *

نحن في ساعات تهويم المساء
نصفُ قرص القمر المغدور، يبكي في الزقاق
لم يعدْ بعدُ أبي، والشائعات،
عن خيانات القياده
واندفاع الجيش .. لكن للوراء
دفعتنا للبكاء!
* * *

عسكرُ "الإنقاذ" خرفانٌ تولّي للشمال
عسكرُ "الإنقاذ" يُلقون البنادق
في الخنادق ..
وعلى الوحل،
يزتّون النياشينَ وشاراتِ القتال
عسكرُ "الإنقاذ" .. يا عارَ الرجال!
أقبل الفاتحُ يا أبناء "رامه" (2)
أقبل الفاتحُ يا ناسُ،
فلوذوا بالسلامه ..
ما الذي تجديكمُ الآن أناشيدُ الكرامه؟
صوّبوا كل التعاويذ بوجه الطائرات!
ألّبوا الله عليها،
واقذفوها بالوصايا العشر،
والجفرِ
وآيات السماء البيّنات
* * *

كنتُ طفلاً، آنذاك ..
علّموني أن مجرى الأرض، في كفِّ السماء
علّموني أنه، سبحانَه، يُحيي ويفني ما يشاء
علّموني أن أطيع الأولياء
دون أن أسأل: من كانوا؟
وماذا صنعوا للتعساء؟!
علموني الدَّجلَ، والرقصَ على الحبلِ،
وإذلال النساء
علَّموني السحر والإيمان بالأشباح
والرقيةَ والتعزيمَ،
والخوفَ إذا جاء المساء!
علموني ما يشاؤون، ولم يستنبئوني ما أشاء
فَرَسُ الخضرِ .. كفيلٌ بي
وحسبي .. الفقهاء!!
يا أبي المهزومَ .. يا أمي الذليله!
إنني أقذفُ للشيطان، ما أورثتماني،
من تعاليم القبيله!
إنني أرفضُها تلك الطقوس الهمجيه
إنني أجتثُّها من جذرها،
تلك المراسيمَ الغبيَّه
إنني أبصقُ أحقادي وعاري
في وجوه الأولياء الصالحين
إنني أركلُ قاذورات ذُلي وانكساري
للتكايا والدراويش،
وأقزام الكراسي النابحينْ!
* * *

إنني أصرخُ من قعر جحيمي:
يا وحولاً لصقتْ في نعل تاريخي العظيمِ
إنني أحكمُ بالموت عليكِ
فأعدّي كفناً من جلدِ أنصافِ الرجال!
وإذا شئتِ نقوشاً، وصليباً، ونجوماً، وهلال
ووصايا وابتهال
طرِّزيها بيديكِ!!


(1) البروة هي قرية الشاعر محمود درويش صديق سميح القاسم الأثير.. تلك التي امحت من على وجه الأرض في عداد المئات من القرى العربية الفلسطينية الأخرى بعد فترة وجيزة من قيام دولة العدو في فلسطين عام 1948. (2) الرامة، هي قرية الشاعر سميح القاسم، وتقع في قضاء عكا.


الآراء (0)   


الموقع مهدد بالإغلاق نظراً لعجز الدعم المادي عن تغطية تكاليف الموقع.

يمكنك دعمنا ولو بمبلغ بسيط لإبقاء الموقع حياً.