ثورة مغني الربابة - سميح القاسم | القصيدة.كوم

شاعر فلسطين ارتبط اسمه بشعر الثورة والمقاومة من الداخل، وهو عضو سابق في الحزب الشيوعي (1939-2014)


630 | 0 | 0 | 0




غنيتُ مرتجلا على هذي الربابة، ألفَ عام!
مذ أسرجتْ فرسي قريشُ،
وقال قائدنا الهمام:
اليوم يومكمُ! فقوموا واتبعوني،
أيها العرب الكرام
اليوم يومكمُ ..
وصاح: الى الامام .. الى الامام !
***

غنيت مرتجلا على هذي الربابة، ألفَ عام
مذ قيل: باسم الله والقرآن،
فامتشقوا الحسام!
ولكزت في شغفٍ جوادي،
وانطلقتُ .. لألفِ عام!
عمّرتُ في شيرازَ قصراً
وابتنيتُ بأصبهان
ردهات معرفةٍ،
وعدتُ الى الحجاز بطيليسانْ
وعلى دمشق رفعتُ رايات النهار، مع الأذان
وجعلت حاضرة الكنانهْ
في تاج مولانا المعزِّ، جعلتُها أغلى جُمانه
وبنيتُ باسم الله - قرطاجنّةَ العربِ العظيمهْ
وتلوتُ فاتحتي، على أنقاض أوروبا القديمه
وبنيتُ جامعةً، ومكتبةً، ونسّقتُ الحدائق
وهتفت:
يا أحفاد طارق.
كونوا المنائر .. واغسلوا أجفان أوروبا البهيمه.
***

غنيتُ مرتجلاً، وكان الشرقُ يحذر الارتجال
كانت أصابعه تجسّ، وذهنه يلد المحال
وأنا أغني ..
وهو يبحث في كهوف الكيمياء
وأنا أغني ..
وهو يرصد بانفعالٍ واشتهاء
نجماً يحوم على المساء.
كانت أصابعه تجسّ، وذهنه يلد المحال ..
وسنابكُ الخيل الأصيله.
تطوي المسافات الطويله
وتطال شيئاً لا يطال
وأنا أغني للبطوله
وأشدُّ من همم الرجال
***

للشرقِ .. للشرقِ الهُمام
غنيتً مرتجلاً على هذي الربابة ألفَ عام.
للزحف .. للمدن الجديدة .. للحدائق .. للسلامْ
غنيتُ في ظلِّ المآذن
للمُقلعين وللسفائن
لقوافل التجار، والجند البواسلِ، والمواسمْ ..
غنيت - آهٍ – للصبايا
للسنابل .. للحمائم.
غنيت أمجادَ الخليفة، والفتوحات السعيده
غنيت للتُرعِ الفتيةِ .. للنوافير الرخام ..
لروائع الدنيا الجديده.
غنيت مرتجلاً على هذي الربابة ألفَ عامْ
***

يا أمتي.
وسُلبتِ - يوماً ما - جوادَكِ والحسام،
وطُرحتِ – يا ذُلّي - طُرحت
وغاب وجهكِ في الرغام ..
وغدوتِ – يا ذلّي – حطام.
في رُسغكِ الأغلالُ ناهشة، وفي فمك اللجام ..
***

يا أمتي.
وقعدتُ مفجوعاً على أعتاب دارك
أبكي وآكلُ من غُبارك
يا أمتي.
وجمعتُ حولي ما تكاثر من صغارك
أحكي لهم، عن مجدكِ الماضي، وأغريهم بثارِك!
يا أُمتي!
عَددتُ أجيالاً على هذي الربابه
كرّرتُ أمجادَ الرسول، وكلَّ أمجاد الصحابه
كرّرتُ عُقبةَ - ألفَ مره!
كرّرتُ - طارقَ - ألف مره!
ووضعتُ من عندي الكثيرَ،
كذبتُ في أسفٍ وحسره..
***

"بغداد يا بلد الرشيد"
ماذا تبقّى منكِ، لم أنزفه للوتر البليد؟
ماذا تبقى يا طليطلةُ الشقيّةُ، من كلام؟
ماذا تبقى .. يا كنانةُ .. يا شآم؟
ماذا تبقى للصباح ..
ودمي تخثَّر في شراييني: ووجهي مُستباح؟!
***

غنيت مرتجلاً على هذي الربابة ألف عام،
وأعدتُ مفجوعاً، على هذي الربابة، ألف عام،
مذ طار من يدكِ الحسام
وسقطتِ عن سرج الرياح، وغاص وجهكِ في الرغام!
أطفالنا ملوا البطولات المكررة القديمه
سئموا سروجاً كالحاتٍ،
صار فارسُها الغبار!
عافوا سيوفاً لاكها الزنجار، والذكرى السقيمه!
كرهوا الرماحَ المشرعاتِ على الجدار!
أطفالنا يبكون، لو فهموا الإذاعات الكثيره
والثرثرات عن المشاريع الكبيرة والصغيره
أطفالنا يبكون، لو فهموا "الأحاديث المهمّه"
في مجلس الوزراء، والخطب المثيره
وتشاورَ السفراء .. إعداداً .. لمؤتمرات قمّه!
يا أمتي!
ماذا لديكِ؟ تكلمي! ما أنت أمّه؟
عودي! فقد تعب اللسان، ومات قراءُ الجريده
عودي! مغنيكِ القديمُ، يود تقبيل القصيده
يا أمتي .. قومي امنحي هذه الربابه
غير البراعةِ في الخطابه
لحناً جديداً ..
وامنحي الأجيال .. أمجاداً جديده!





الآراء (0)   


الموقع مهدد بالإغلاق نظراً لعجز الدعم المادي عن تغطية تكاليف الموقع.

يمكنك دعمنا ولو بمبلغ بسيط لإبقاء الموقع حياً.