رؤيا - كامل ياسين | القصيدة.كوم

شاعر وقاص فلسطيني حاصل على العديد من الجوائز العربية (1993-)


280 | 0 | 0 | 0




كما تتداعى على نفسها زهرةٌ في الخريفِ
أنامُ وحيداً
ومزدحماً بنُعاسِ العصورِ
وبالتعبِ المُشْتَهى
والعُصابِ اللذيذِ
وأدخلُ مملكةَ الحلمِ
لا حلمَ يشبهُ حُلْمي
ولا شيءَ يشبهني في منامي الشفيفْ
****
أرى غيمةً في السماءِ
ملوّنـةً مثلما أتخيَّلُ أو أشتهي
فهي بيضاءُ .. بيضاءُ
حينَ يكسرني الحبُّ
خضراءُ يانعةٌ حينَ يندلعُ العشبُ
في الجبلِ \ الروحِ ، والجسدِ \ السهلِ
تقفزُ فوقَ سياجِ السماءِ كمُهْرٍ حَرونٍ
وتأخذُ شكلَ قصائدَ منسيةٍ
تتقمّصُ وجهَ حصانٍ وجسمَ خروفْ
****
أرى دارةً في البعيدِ
لحيطانها ألفُ ذكرى وذكرى
يُرتّلُها العشبُ بينَ الشقوقِ
شبابيكُها شاهداتٌ على زمنٍ من زجاجٍ وضوءٍ
وشرفتُها تتلوَّنُ صيفاً
وفي شهر كانونَ
تذكرُ كم هي مهجورٌ كالكهوفْ
****
أُطلُّ على عيدِ ميلاديَ الألفِ :
جسمي ــ كما لا ترونَ ــ حدائقُ مهجورةٌ
جبيني خرائطُ صمَّاءُ
والأمسُ أقوى حضوراً من الآنَ
في حفلتي ليسَ عندي شموعٌ
ولا أصدقاءُ ، ولا زوجةٌ
كل هذا الفراغِ الكثيفِ يحدّقُ فيَّ
ويسخرُ من ساعةٍ في يدي ، ثم يكسرها
" كل عامٍ وأنتَ بخيرٍ " ، يقولُ
ويتركني في مهبّ الخريفْ
****
أرى وطني وهو يصبحُ منفىً
لأحلامنا الضائعاتِ
وأيامنا الشائكاتِ
لأجسادنا وهي يمتصُّها الدمُّ
والعرقُ الآسِنُ المرُّ
كل مدائنهِ من دخانٍ
وسُكّانُهُ من غبارٍ
شوارعهُ لا تؤدّي إلى هدفٍ واضحٍ أو جديدٍ
وطفلٌ على باب مدرسةٍ إبتدائيةٍ
يسأل الله : كيف تخليّتَ عنا سريعاً
ومَنْ سوفَ يوقفُ هذا النزيفْ ؟
****
أرى امرأةً بلّلتني بشمسِ يديها
وآخت جروحي بخنجرها العذْبِ
واقتسمتْ جسدي قطعةً قطعةً
جسمها معبدٌ من ضياءٍ
عروقُ يديها قصائدُ من زمنٍ آخرٍ
شعرُها
وجهُها
مشمشُ اللهِ في صدرها
شهوةُ النارِ في ليل سُرَّتِها
سوفَ ينقصني كي أكونَ لها كلُّ شيءٍ :
سينقصُني حاضرٌ وغدٌ
وكلامٌ كثيرٌ عن الشعرِ والفنّ
والخمرِ والجنسِ
ينقصني كي أكونَ لها أن أكون أنا
واحداً أحداً
لا شريكَ لحزني المبجّلِ
مرتعشاً
عارياً
غامضاً في زمانِ الوضوحِ المخيفْ
****
أرى صاحبي المتنبي
يُعاوده " ضحكٌ كالبُكا "
يتأبّطُ خيلاً ، وليلاً ، ورمحاً
وبيداءَ قاحلةً
ينذرُ الليلَ للحلمِ
يلعن حُمّى المساءِ الأخيرِ
ويصرخُ : " واحرَّ قلباهُ " .... وابردَ روحاهُ
ثم يسقطُ منتشياً في جحيمِ الحروفْ
ويسألني في انكسارٍ شهيّ :
أأوجعني عقليَ الطفلُ
أم قلبيَ الفيلسوفْ ؟
****
وأفتحُ عينيَّ في كسلٍ
ثم أنفضُ عنيَ ريشَ النعاسِ الوثيرَ
أحملقُ في السقفِ
في جسديِ الناحلِ الهشّ
أبكي قليلاً
وأهمسُ في حذرٍ : يا لهُ من مساءٍ خفيفْ !!




الآراء (0)   


الموقع مهدد بالإغلاق نظراً لعجز الدعم المادي عن تغطية تكاليف الموقع.

يمكنك دعمنا ولو بمبلغ بسيط لإبقاء الموقع حياً.