لا توقظيني عندما تغادرين - شوقي بغدادي | القصيدة.كوم

شاعر وقاص سوري. الشعر بالنسبة له ليس مجرد صنعة وليس مجرد متعة، لكنه قبل كل شىء التزام أخلاقي أو عقيدة (1928-2023)


174 | 0 | 0 | 1




لا توقظيني عندما تغادرين
دعي العناقيدَ التي بَعْثرها قطافيَ العجولْ
تنضجْ مع الحُلم الذي يستدرك الفصولْ
***

كنتُ مُفاجَأً
فلم أصبر على تأمِّل الجنّة ِ
في صاعقة الذهولْ
لم أنتبه إلى استدارةِ الكتفين
كيف خَبّأتْ هضابها
ومَوَّهَتْ وديانها ..
في لهفةِ الصعود ِ
أو في شهقةِ النزولْ !
لم أبتعِدْ كي أتملّى ضوءَ عينيك ِ
وقد تكسَّرَ الجفنُ عليهما
فأطبقَ الدُجى
ونحن عند الفجرِ
هكذا لم أبُصِر الشروقَ في الرحيلِ
والغروبَ في الوصولْ ؟!
ولم أجدْ وقتاً ..
وعندي الوقتُ كلُّهُ
لأن ألعبَ فوق معزفي بأصبعي
ثانيتين قبل أن أخبطَ بالكفينِ والأسنانِ
كي أبتلعَ المائدةَ العجيبةَ التي تَكَشّفَتْ
بلقمةٍ واحدةٍ
ولستُ بالجائعِ
لا .. ولا الأكولْ
***

لا توقظيني عندما تغادرينْ
خلّي الفروعَ
بعد أن تبعثرتْ
تعزفْ طريقها إلى الوصولْ
كيف غفلتُ عن تفاصيلكِ؟
في ارتعاشة الأنفِ إذا شَمَمْتِ
واحتقانِ وجنتيكِ إن نطقتِ
واعتداد زندكِ الرقيقِ إن شددتِ
كيف ذاك الامتلاءُ الفذُّ
صار في بضاضةِ الرقِّةِ والنحولْ
كيف عميتُ
عن خشونةِ الحريرِ مرةً
وعن ملاسةِ الصخورِ مرةً
وكيف خَلفَ الزغبِ القليلِ غابةٌ
وعند بابِ الفرنِ نسمةٌ
ووردةٌ لا تعرفُ الذبولْ ؟
وكيف كان الصدرُ والظهرُ
صديقين وخصمين !
إذا تقاسما الرغبةَ أو تنازعاها
كنتُ ضائعاً
فلم ألحظْ ما الذي يعنيه ِ
أن يُمَتّع الرفضُ
وأن يُعذّبَ القبولْ ؟!.
لَهْوَجَتي غَطَّتْ على المنمنمات ِ
كنتُ مأخوذاً بشمسِ الفُلِّ شَعَّتْ
فاختفى الأحمرُ والأسمرُ
لم يبقَ سوى الأبيضِ
في عُرْيِ السهولْ
لم أنتبه لشامةٍ في أسفل الساقِ
ولا لشهوةٍ في فجوةِ الخَصرِ
ولا لثنيةٍ في ملتقى الأضلاعِ
قرب ثديكِ الأيمن
أو لوشمِ جرحٍ غابرٍ
في الركبةِ اليُسرى
فما أفقرني
إذ رحتُ أحصي ثروتي منك ِ
وما أغناك ِ في اعترافي الخجولْ
***

لا توقظيني ...
إنني أُرتِّب الفوضى
وأمتصُّ على مهلٍ شرابي
قطرةً فقطرةً
وأربطُ الخيوطَ بالخيوط ِ
والألوانَ والأصوات
والطعومَ والشميمَ والملامساتِ
بعضها ببعضْ!!
فإن تَعرّقتُ فلا بأسَ
امسحي فوق جبيني بيدٍ خفيفة ٍ
وإن سمعتِ همستي باسمك ِ
لا تفكري بأنني أفقتُ
إنني أوشك أن أُتِمَّ لوحتي
فخففي الغطاء عني
واخرجي كما صنعت ِ في الدخولْ
طيفاً خرافياً
إذا مشى فلا تُحسُّ أرضٌ
وإذا طار فلا تكفي سماءٌ
وإذا ألقى الستور عنه
صار مثلنا
بكل ما في حممِ البركان
من نارٍ
ومن نورٍ
ومن وحولْ ...
سبحان من سواكِ
في ستةِ أيامٍ
وفي السابعِ عندما استراح
أتعبَ العقولَ في إدراك ِ
ما تهافتتْ في فهمهِ العقولْ !

***

لا توقظيني ...
رتِّبي الغرفة َ بعض الشيء
واسقي الزهرَ
ثمّ أغلقي الشبّاكَ جيداً
وأسدلي الستارَ فوقه
فإن شعرتِ بالنعاس في الظلالِ
فامكثي ثم تجردي
وفي صمتٍ تمددي إلى جنبي
وردّي فوق وجهكِ الغطاءَ
وارقدي
ثم ادخلي معي
إلى الحلمِ الذي صنعته لي
يكتملْ
وعندها لا بأسَ أن يستيقظَ النائمُ
كي يُجَدّدَ الطقوسَ
في تغيُّر الفصولْ





الآراء (0)   

نحن نمقت الإعلانات، ولا نريد إدراجها في موقعنا، ولكن إدارة هذا الموقع تتطلب وقتاً وجهداً، ولا شيء أفضل لإحياء الجهد من القهوة. إن كنت تحب استخدام هذا الموقع، فما رأيك أن تشتري لنا كاسة قهوة على حسابك من هنا :)