هذا المساء يا عزيزتي جميل - أحمد عبد المعطي حجازي | القصيدة.كوم

شاعر وناقد مصري، حاصل على جائزة الدولة التقديرية في الآداب لعام 1997، وحائز على جائزة العويس الثقافية دورة 1996-1997 في مجال الشعر (1935-)


456 | 0 | 0 | 1




لا تسأليني إن أتيتُ في مساء غد
وفي مساء بعد غد
ماذا تريد؟
لأنني سأدّعي أني نسيت عندكم كتاب
أني نسيتُ علبةَ الدخانِ ليلةَ الأحد
أني.. نعم.. أريد. ما الذي أريد
ستلمحين فكريَ الشريد
من خلف عيني حائراً يبحث عن جواب
وأمضغ الأسى، ولا أرد!
لا توقفيني هكذا،
فقد شبعت وقفةً بكل باب
أسأل عن خبزٍ وعن حبٍّ، ولا جواب
غير صدى صوتي يضيع في السكون
أرجوكِ قولي لي: استرح!
أو: انتظر!
وابتسمي ابتسامةَ مشجّعه
لأنني لن أستريحَ لو بدا في وجهكِ الضجر
وإنني أراك سوف تفعلين
***

أتذكرين؟
ليلة أن كنا نسير ذات ليلةٍ،
وقد تدثّر الطريقُ بالظلام
أنا أكاد أذكر الوقتَ وأذكرُ الكلام
لأنها أوَّلُ مرةٍ نسير وحدنا
وكنت أستطيع أن أقول كلَّ شيء
لكنني لست من الذين يتقنون صنعة الغرام
أنا أكاد أذكر الوقتَ، وأذكر الكلام
كنا نسير والطريق مظلمٌ، والناس أشباحٌ تمر
تبدو إذا سيارةٌ مرت بهم،
تمد فيهم إصبعين أزرقين من ضياء
وتختفي فيختفون!
أيامَها كنا نعيش في الظلام
كانت سماؤنا جريحةَ الافق
ينوء صدرُها بيومٍ ينشر الخراب
على بيوتنا التي بنى سقوفَها العرق
على حقولنا التي تخضرُّ كلَّ فصل،
وتفرش الظلال للخرافِ والرعاه
وترضع المساءَ قطرةً من الندى،
وخفنةً من الورق
أيامها حتى الندى احترق
وقلت في نفسي اعطها يدك
ففي ليالي الحرب تأمن البناتُ للرجال
وقلت لا، فقد تردُّها؛
لكنني ودِدت أن يتوهَ دربُنا، فلا يرى خيالَ دار
ويشربَ الليلُ الخلودَ كلَّه، فلا يرى النهار
وكان حراسُ الطريقِ والجنودُ يعبرون
وقد تقلصت أكفُّهم على السلاح!
وكنت أطرد الهواجسَ التي تأتي بفكرةِ ابتسام
وربما لولاكِ ما فكرت أبتسم
هربت من خواطري،
كأنني استيقظت من حلُم
ثم استدرتُ نحو وجهِكِ الذي يفيض بالجمالِ والعذاب
وقلت:
هذا المساء يا عزيزتي جميل!
***

الأفقُ صلبانٌ من الشرر
تقاطعت على الدجى
والطلقات تنهش السكون
لا تفزعي، نحن معا
نحن معا نخوض في المنون
ولا نموت
أحسست أنني أحب
أحسست أن إصبعي يفتت الصخور
وصدري العاري يطيش حوله الرصاص
وفي دقيقةِ يصير لي جناح
أمشي به على الرياح
إذا شربت جرعةً من نبعك النمير
أحسست عندما اقتربنا من طريقِ منزلك
أن لياليَ السُهادِ والغناء أقبلت
أني بحاجةٍ إليك
أني أخاف أن أعود
أني أريد، ما الذي أريد!
......
هذا المساء يا عزيزتي جميل!


مارس 1957


الآراء (0)   


الموقع مهدد بالإغلاق نظراً لعجز الدعم المادي عن تغطية تكاليف الموقع.

يمكنك دعمنا ولو بمبلغ بسيط لإبقاء الموقع حياً.