حياة وحيدة - عقل العويط | القصيدة.كوم

شاعر وناقد وصحفي وأستاذ جامعي لبناني (1952-)


221 | 0 | 0 | 0




كنا حين نفتقد سعادتَنا،
نتوهّم أن الشِّعرَ فوّت علينا الموتَ في أحضان النساء،
فنتفادى الإعرابَ عن مشاعر باءت بالفشل،
ونصرف أرواحنا الى اهتماماتٍ أخرى.
لكن الهواء كان يتلقف تعابيرَ ممضة
وقعتْ من وجوهنا،
ويرتّب المساء بإشاراتٍ لا تفهمها سوى نظراتنا.
وكنا حين نفتقد السعادةَ،
نخيط بإبرة المنفى نسيجَ أنفاسنا،
ويتراءى لنا من خرمها أن الحياة في مكان آخر،
وأن عطور الأشواق تفرّ الى الجبال،
لتأخذ من الأشجار المستوحدة ظلالاً لها،
فنقارب الامحاء برغباتٍ صامتة،
ونلتقطه بشِباكٍ مهيَّأةٍ للصيد، وفخاخٍ لم ننصبها إلاّ لثعالب الكلمات.
لذا، كنا نجرح السطور بحروفٍ طائشة،
وندملها بعطورٍ يصعب إدراكُ شميمها.
وكان صيّادو لعبتنا يأخذون علينا،
أننا نُغير بثعالبَ مراوغة،
ونفلت الهواء من شِباكٍ وهمية،
فنبتسم حتى يلوّن الهواءُ ابتساماتنا بلمساتٍ فوّاحة،
ثم نغمز الأسطرَ التي دوّختْنا،
ويستبدّ بنا الشوق الى أسطرٍ تهمّ بنفسها،
ثم تمانع كنساءٍ يعذّبنَ أفكارَ أجسادنا ونزقَ أيادينا.
كنا نغيّب اللذة بإشاراتٍ كافية،
يسخر منها الرجال بتودّداتهم الجلفة.
ومع ذلك كنا نرسل إليهم المودة عبر سماءٍ عالية،
أو هواءٍ يليِّن الظلّ في الصيف.
عندها، لم نكن نفعل سوى ما نظنّ أنه يلطّف الذكورة،
فتتخفّف القصائد من أعباء جمة،
ونعيد الاعتبار الى أنوثة هائمة،
لا نجدها إلاّ في خيالات النسوة اللائي في دواخلنا.
كنا نشتاق
نشتاق كفتيةٍ، فنخرج دوماً الى مراهقتنا
بأعينٍ حادة وأعضاء لا تكلّ عن المشاكسة.
نشتاق الى أنوثتهنّ فينا،
فننسى أجسادنا ونروي ما يحقق جزءنا الكامنَ في جرح الرأس.
وكانت أيدينا كلما نسيتْ نفسَها،
تتذكر أفكاراً ترتعش لها الطاولة،
وكذلك الفضاءُ المحيطُ بالمعنى.
لذلك مللْنا المصافحات لأنها أفقدتِ الأيدي فراغَها
ومللْنا أيضاً النساءَ حين منحنَ الأيدي معنىً واحداً.
ومع ذلك رحنا نجمع عطوراً غامضة،
لنزيّن بها حياتنا الطائشة فلا تبيب وحيدةً في الشتاء.
عندها لم نكن نفكر في الذكريات،
لكنْ في اختلاط الزمن
فنتفاجأ بلمساتٍ كأننا اغتربنا عنها،
وبأمكنةٍ كأنما لم تخطر لأعيننا
ونتفاجأ بنساء يغسلن دفاتر أجسادنا بعطر الملائكة.
عندها، لا نعود نملّ النساء،
حين يفعلنَ بنزواتٍ فائقة،
فيدوِّخن الليل بمعانٍ من افتراضات الجروح وأهواء الفؤاد.
لذا، كنا نستبطن المعنى بنزق المراهقين،
ونجلوه في حكمته الشخصية بحدس البداهة وغرائز التكهنات.
لم نخترع بديلاً من أجسادنا، لكنْ إضافة،
ومع أننا أُغرِينا بالشكل الذي اصطفى حركاتِ أعيننا،
وبالماء الذي غسلنا به صيفَ الرغبة،
فسرعان ما أجاد الشِّعرُ القبضَ على كرامة الجوهر
ورقّق الحياة بموداته الدمثة.
كنّا حياةً وحيدةً حين نفتقد السعادة.


الآراء (0)   

دعمك البسيط يساعدنا على:

- إبقاء الموقع حيّاً
- إبقاء الموقع نظيفاً بلا إعلانات

يمكنك دعمنا بشراء كاسة قهوة لنا من هنا: