ظلالي - عقل العويط | القصيدة.كوم

شاعر وناقد وصحفي وأستاذ جامعي لبناني (1952-)


224 | 0 | 0 | 0




الذين أحببتُ وكرهتُ،
استجمّوا في الذكريات،
وفي موتي استراحوا كعائلة،
ثم طاروا بنظراتي العميقة.
هؤلاء ظلالي وأمواجُ البحر تحرّك سفنَهم
كلما ضاق الوقتُ بي.
كانوا رغباتٍ تستجلي قناديلَها
طاروا من أسفار موتهم لينضمّوا الى موتي
طاروا لأنضمَّ إليَّ،
كأنهارٍ تستعيد مجراها بعد ضياع.
جاؤوا بكثرة وظلوا نادرين،
كغيبوبةٍ تقسم الشيءَ حياةً وموتاً.
المساءُ الذي حلّ بهم،
مهّد اللحظةَ لكأسهم اللائلة،
ورتّب الشجرَ في الخارج لكائناتٍ غائبة.
حين أشعلوا،
استجمعوا علوَّ جنونهم،
ليكون سقفَ شتائهم البارد،
فلا ينفرد البردُ بجمرهم فتألم الغابة.
في الشتاء،
سبقوا حياتهم الى الغيوم،
وبالجبال ارتطموا.
أرواحُهم جاشت كورودٍ عالية.
وكورودٍ لا تكفّ عن التأمل
خطفوا الأعينَ وقساوةَ النظرة،
الهواءَ ملأوا بالشجر المحض.
كانت قراهم تصحو قبل الشمس وتوقظ الليل بالهمهمات
تستدرك الغابةَ بزهرة،
وتكتب السهلَ نظراتٍ خضراء.
هؤلاء استفاقوا من موتي،
وشغلوا الغابةَ بأشجارهم
وأشجارُهم خطفتِ الغابة.
وعندما همّوا بالمغادرة،
تأسفتِ الغابةُ لأنهم سبقوها.
لكنهم حين فعلوا ذلك،
أشعلوا وراءهم ظلالَ الملائكة،
كي بدفء وجعهم يستشعرَ المكان،
وببخور قدّاسهم تبتهجَ السماء.
من ريفهم،
نزلتْ عينايَ الى السواحل لتأسرَ الحياةَ نظرةً نظرة،
وتدعو الضجةَ الخافتة الى العشا.
لأن الذين ارتطمتْ حياتُهم بالجبال،
جاشوا كورودٍ عالية وانتظروا مرورَ الهواء ليأخذ عطورَهم.
صاروا ضجةَ القلب الخافتة.
كانوا وحدهم،
حين استبدّتْ شهوةُ الكتب بأغلفتها،
وتعرّتِ الضجةُ الباقية في انعدام الضجة.
حينذاك،
كان الضوءُ الناظر إليَّ،
عشيقَ ما يحصل
شريكَ الفضائح وليلَها الحارس
قارىءَ المتعة الشخصية ومخدِّرَ الملائكة ومرمّمَ الاختيالات
مدّاحَ الدهشة واحتلامات الرأس
خزانةَ الاحتباسات.
كان الضوء الناظر إليَّ،
مروِّضَ سَحَرة القلب وبهلوانَ الحزن وحارسَ الوقت الذاتي.
فردوسَ الذين صاروا ضجةَ القلب الخافتة وضلّوا الطريق.
هؤلاء كانوا نساء
جئنَ بدون دعوة بعدما قرعنَ الحياة
حملنَ الهدايا الى رغبات ضائعة
وبعدما جلسنَ،
خلعنَ قبّعات السفر ولم ينمنَ
كنّ ينزلنَ من أعالي الفردوس ليرقصنَ في حلبة الرأس،
في حلبة الجسد،
يومئنَ في العاصفة لخيالاتهن الطائرة،
وفي الصيف يومئنَ الى الداخل المحض
رددنَ الحواسَ والحواسَ الأخرى وشغلنَ اللغاتِ بأحابيلهنّ
وعندما جئنَ،
جئنَ بلا انتباه
لمعنَ في موتي كحياةٍ وحيدة
وطرنَ في خواء البداية والنهاية
ظللنَ هكذا في احتمال الضوء،
مسرّاتٍ تجرح فظاعةَ العيش،
منتهى الشهوة ونعاسَها،
وكنَّ جمالَ الخراب.
خدّرنَ زوغانَ البصر وأشعنَ الحوارَ الخفيّ،
وراء زجاج اللوحة وشفّاف الصمت
كنّ الضوءَ الناظرَ إليَّ، شبقَ الغيبوبة
وكنَّ سريرَ خيانتها الدافىء.
ظللنَ احتمال الضوء،
عندما أصبحنَ ماءَ الشغف ورنينَ تأوّه العين
لم يباغتنَ الضوء،
حين اصطحبنَ ماجني الأوقاتِ الغامضة،
لكنْ صعقنَ انتباهَ الجسد.
لم يجرحنَ شيئاً،
إنما أشحنَ الليلَ بذكاءٍ ومحبة،
ورفعنَ فوق حواسه نجمة.
كانوا يضيِّعون العتمةَ،
عندما يفيقون في الليل.
لم يكن ضوؤُهم يضيء
لكنْ يناوم العتمة.
عرفتُ مهارتهم منذ البداية.
كانت عتمتهم تحبّ الضوء كلما استيقظ،
فتصيره لتمنعَ وحشتَها وتبدّد غيابه.
عرفتُ مهارتَها أيضاً
تراود كمونَ الضوء فيشيع
وتقبّله فتتوارى،
وتخبّىء نشوتَها المخدَّرة الى المساء التالي
وفي المساء التالي،
تحبّ الضوء وتملأه بجنسها المشعّ
عندها لا يعود يضيء.
وفي الرواية،
تنام كلما استيقظ الضوء
تنام ليحبّها،
لأنه يحبّها نائمة.
وعندما تكون نائمة،
يحتلم ليل العتمة فيصير ضوءاً.
تضيء العتمةُ الضوءَ،
وقلائلُ يبصرون ذلك.
هؤلاء عرفتُ مهارتَهم منذ البداية.
كانوا ضجةَ القلب الخافتة
وملائكةً كانوا عندما ضلّوا الطريق.
وعندما استهدوا،
أصبحوا احتمالَ الضوء.
كانوا ملائكةً وأعني نساء.


الآراء (0)   

دعمك البسيط يساعدنا على:

- إبقاء الموقع حيّاً
- إبقاء الموقع نظيفاً بلا إعلانات

يمكنك دعمنا بشراء كاسة قهوة لنا من هنا: