قبل أن نعود - عقل العويط | القصيدة.كوم

شاعر وناقد وصحفي وأستاذ جامعي لبناني (1952-)


236 | 0 | 0 | 0




عندما هممْنا بالمغادرة
رتّبْنا البلادَ والأصدقاءَ بقناديلَ من نظراتنا
ورفعْنا جبالاً شحذتْ لنا من شظف العيش سكّينَ النزول الى السهل.
عندها،
تركتْنا السواحلُ حيارى أمام البحر.
لكنّ الأرياف التي انضمتْ على نفسها
دملتْ جروحَ المدن
وأرسلتْ إلينا ملاءاتٍ للشتاء
وحنطةً نصنع منها خبزَ الكلام وقمراً لأوجاعنا.
لم نغِبْ طويلاً
لكنْ كبرْنا فجأةً
واستلقتْ على سطوح الأعين سنواتُ دموعنا.
غبْنا عميقاً، والهواءُ الذي لفح الحديقة
استنكر وجومَ الضوء في حركاتنا،
سَبَقَنا الليلُ الى الأهل ولم نصلْ.
لم نعرف في البداية أن نشقّ الطريق الى المقهى.
وهو حين قصدناه مرةً
لم يوفّر لنا الزجاجَ الذي يعكس المودة
ولم يشأ أن يعرفنا من نسائنا
بل من قسماتنا الساهمة.
عندما أتعبنا المسيرُ
رفضنا أن نتألم.
أرواحُنا كابرتْ على مضضٍ منا
وأطلقتْ طيوراً من آلامها تمشي أمامنا.
لم تُفضِ بنا الجُزُر الى القيلولة
لكنْ الى أعمارٍ عميقة.
صادقتْنا العصافيرُ التي هناك
وأخذتْ نسقاً لأشجار الشارع منا.
الصمتُ غمر شمسنا بالغيم
وأرسل الى الليل همهماتٍ حميمة من انتظارنا.
البحرُ أيضاً تودّد نحونا
والدموعُ المغلقة عرفتْنا
لأن وجوهنا كانت مغلقة.
كنا عندما صفّق البحر لنا
نضحك للطريق التي أخذتْها العاصفة
وغافلتْنا.
كذلك فعلنا عندما لطّف رذاذُ الجنس عقولنا
فحفظناه لنروي به في الموت حديقةَ أجسامنا.
غبْنا عميقاً عميقاً.
لكنّ الأنهرَ التي جرفتْ أصواتنا
خاطبتْ أوجاعها قبل أن تعود
فعرفْنا أصواتنا للتوّ
وطرْنا بخيالاتنا الى المقهى
وصفّق لنا النادل الذي، حين قدّم القهوةَ لنا،
أعاد أيضاً نظراتٍ أبقيناها في فناجينَ سابقة.
كذلك انفعلتْ صُوَرُ المرايا التي حطّتْ عليها وجوهنا.
قبل أن نعودَ الى مقهى حياتنا.


الآراء (0)   

دعمك البسيط يساعدنا على:

- إبقاء الموقع حيّاً
- إبقاء الموقع نظيفاً بلا إعلانات

يمكنك دعمنا بشراء كاسة قهوة لنا من هنا: