أكره الحبّ - عقل العويط | القصيدة.كوم

شاعر وناقد وصحفي وأستاذ جامعي لبناني (1952-)


373 | 0 | 0 | 0




من كثرة ما أحببتُ صرتُ على مسافةِ يد
لوعةٌ واحدةٌ في الكون تكفي
ربما نظرةٌ
لأردمَ هوةً بيني وبين الله
ربما لا شيء لأسلّمَ حياتي
فلم يعد بيننا ولا موت تقريباً.
غيمةٌ زرقاء أو كنزٌ أو ظلُّ ينبوع
صرتُ يا لاكتمالِ الفقر واخضرارِ الذهب
أزدهر بجرحِ الذهول وأنصقل بلمعانِ الجوهر
مجبولاً برحيقِ النداء ونشوةِ التحليق
أفتتح الليلَ لأحبَّ
وأوقظ الفجرَ السهرانَ لأحبَّ أيضاً
عينايَ تخدِّران الشعرَ ورأسي على هاوية من شدة النزف
يهرقني زيتُ الأسرار ويجمِّعني هوى المطلق
يكثِّرني الليلُ في الرقة ويلوِّحني كداليةٍ على الشرفة
مسكوناً برحيقِ الدوار وممزوجاً بماءِ التلاشي
عاشقاً زهرةَ ضدّي ونقصاني
ما يُجهِز عليَّ وما لا يُحتمَل
كأنْ أبدو مفقوداً في جميع الممالك ومبدَّداً في ندى الرياحين
ممنوحاً رغبةَ الاحتراق في جنونِ الضوء
ما يسرقني ما ينمّيني
وما يجعلني في خلودِ الكتب
كأنْ يُنعَمَ عليَّ فأكون فتنةَ انسجامِ الأغلاط ولذةَ الغرق في تناقضاتِ البحيرة
أنصهر في معادنِ الشمس
وأنبت تحت الصرخةِ الرهيفة
سحيقاً في اختراقِ السرّ وعشبةً تلامس رعشةَ الصخر
يجمعني الهوى تحت صوّانِ البيادر ويذرّيني في حفيفِ الهواء
أتشظّى أتلملم
كامناً في اللجوء ومفضوحاً في الغلَبة
أغتني أتناهى
واحداً مضرَّجاً في النزق وفي الخيال
مجهَّزاً بهوَسِ البحث عن أحجارِ القلب وخاتَمِ الوقوع
أشفّ لأغدو في الكثافة والغياب
وأُمسي في الارتماء على شفاهِ حافة.
هكذا وقتي على أهبتِهِ
هديل الأرز حين يشغف بتوسّلاتِ الثلوج والعاصفة
مرونة العطور حين يأخذها ثوبُ الهواء
كأنْ أعودَ الى الأراضي بعد الحصاد
مزيَّناً بالقمح وكرم اليدين
مشغولاً بالحمّى
ومدهوناً بوهجِ الضربة الأخيرة
كأنْ أُفتَنَ بالأعماق كشلاّلٍ ينزل من عل
أو كصخرةٍ في مجرى النهر
كأنْ أُعطى أنْ أحلَّ في الدموع
فلا يعود شيءٌ يصلح فيَّ للانكسار والعطب
أصير نضجَ العطب والانكسار
فتشغلني خابيةُ الذهب وتكسرني
تنهبني تحت هشاشةِ الشعاع وتمكِّنني من المصدر
لا يبقى مكانٌ لي لأنتظرَ وأُنتَظَر
يُرسَل قلبي في كلِّ الأمكنة
فتسألونني كيف لا أختنق بأسبابِ هذا الحبّ وشدةِ العاصفة
وتسألونني
كيف أحتمل هولَ هذا الانصياع
كيف أقرأ المعاصي أو أكتب
كيف تتقطّع أوصالي لتنتحرَ فلا أفلح
كيف تتسع رئتايَ بعد الآن وكيف أعيد بناءَ المشهد
تسألونني كيف أرتّب الحياةَ اليومية في هذه الجحيم
كيف أعيش وأموت.
عندما وصلتُ الى الفجر
أجهزتُ على الأعداء قبل أن يعلموا بشمسي
أما الأصدقاء فلم أرأف بأحلامهم
لم أترك خيالاً ولا قمةَ جبلٍ لينزلوا الى حيث أقيم
عندما كشفوني كنتُ قد صرتُ ملكاً على الملوك
وقصيدةً ليّنةً كأفكارِ الهواء
ثم عصفوراً يطير في الحريق.
ترشقونني بالأجمل لأني في الجحيم
تستنكرون حذاقتي
لأن جميعَ ما أراه يصير منّي
قد يُخيَّل للبعض أنه القَدَر
قد ترمونني بالذكاء
قد تظنّونني أربّي سبائكَ الذهبِ والقمر
لأصنعَ منازلَ لشمسِ عينيَّ
وحبراً وأوراقاً لمتونِ الكتب.
لا هدايا أمنحها سوايَ
راحتايَ لا توصفان لأني مشغولٌ بتطريز الحفيف
حافّتي ماجنة ومحفوفٌ هو النزولُ الى روحي.
تقترحون عليَّ أن أتنازلَ عن أنهاري
تبحثون عن تلك المرأة
عن عنوانها الشعري
عن إرتمائها الخفيف في جروحِ الحبر
عن جسدها المطرّى بشراهةِ الينابيع
عن وهجها المعتّق بكستناءِ الساهرين
عن ليلها المشغولِ بالشغف
عن النبيذ ناضحاً من قميصها على الأرض
عن الماء عندما يتكهرب
عن نشوبِ القوس ورأسِ الحربة عندما يخترقان الليل
عن صرخةِ الكون عندما ترتعش
تسألون إذاً عن الشبق
عن الله أوانَ يحسد الشيطانَ والبشر
تريدون إذاً بياناً شعرياً بموتٍ تشيعه في الأنحاء
بحريقٍ يبزغ في ثلج الليل
تسألون عن عبوري هادئاً
عن أسبابِ جنوني
عن الترويضِ الذي أدجّن به الوقت
عن حياتي حين تُراق.
تريدون إذاً حكايةً عن ماناي...
خذوها من كتبٍ كتبْتُها ولم أكتبْها
من جنونٍ يُقبَض عليه
من جنونٍ تعجز الحكمة أن تلاحقَه في فتنةِ الليل
خذوها من روحي عندما تشرق كوردة
من روحٍ لا تخضع لمشهدِ البصر
خذوها أيضاً من صمتيَ الأجمل
من رغيفِ الحلم
خذوني مكسوراً وجبّاراً
طاغيةً وظلاً
شارداً ومتوقّدَ الذهن
كثيراً في السكوت وقليلاً في التعبير
كثيفاً كطعنةِ الشبق أو كدوخةِ نبع
كتاباً يتحرّق الى ضوءِ الحبر
وقلباً كخيالٍ ينتظر.
تريدون عنوانَها
خذوني
فلا ميراثَ أتركه سواها
المنهوبةُ الغنيةُ كما لم تُنهَبْ كنوزٌ عند افتتاحِ المدن
المأكولةُ كما لم تؤكلْ شهوة
المسهَّرَةُ في شغفي كغيمةٍ لا تطيق ثوبها
المسهَّرَةُ عاريةً كما لم تُسهَّرْ نجمةٌ على هاوية
المتعَّبةُ بالهجس لأني متعَبٌ كهزيمةٍ غالبة أو كنرجسٍ يعشق موته
المسكَّنةُ في بساتينَ غافية
والميقَّظةُ من فرطِ الليلِ الممزوجِ برحيقِ العينين
خذوها تلك المرأة من حياةٍ لن تعرفوها
غريبةً متلوّيةً في راحةِ اليدين
بكثافةِ الله حين يسيل في غيبوبةِ الشعر.
من كثرةِ ما أحببتُ
لم يعدْ حبٌّ لأحبَّ
لم يعدْ لي مطرحٌ في الوقت ولا مشاعرُ في الأمكنة
جمَّعني الحبُّ وبدَّدني
جعلني وعتَّقني
خضَّعني ونقَّاني
صرتُ خمرةً وخابية
ولأجلِهِ عرفتُ أن واحداً منا يجب أن يُقتَل
فكان لا بدّ أن تقتتلَ نفسي
لأني قاتلاً أكره أن أكون.
من كثرة ما أحببتُ كان عليَّ أن أنتحرَ كي لا أفقدَ معنايَ
صرتُ كلما استيقظتُ أبحث عن حبلٍ لأتدلّى
وعندما عثرتُ مرةً على جبلٍ عالٍ صعدتُ لأكتشفَ أني عاطلٌ عن الحياة
هكذا أعلنتُ انتحاري لأني ربحتُ الكثافةَ وصرتُ في الجوهر
فماذا كنتُ فعلتُ لو أمعنتُ في الحياة
لو رويتُ
لو أفلتتْ غيومي من براثنِ كثافتي وسيولتي
لو خرقتْ أفكاري عتمةَ المياه وراء السدود
وذهبتْ الى بحيراتِ الفجرِ واللغات
لو فتحتُ انتصافَ الليل على عذابِ الصحراء
لو أسلستُ القيادَ لأعاصيري
لو تركتُ يديَّ تقترفان هفواتِ الحبرِ واللمس
لو قتلتُ أتباعي وجنودي لأتحرّرَ من حرّاسِ يأسي وهابيل عينيَّ
لو سافرتْ سجوني وتركتْني في عهدةِ الخيولِ المهلوِسة
لو استطاع كلامي أن يظلَّ عارياً كفضيلةِ المرآة
لو كتبتُ
لو فككتُ لغةَ صمتي وتيهَ شرودي
لو مهّدتُ جبالَ غموضي ونزلتُ الى السهول
فكم كنتُ سأسفك
وأعاود الصعودَ الى صراعِ كثافتي وسيولتي
حاملاً حكمةَ أوجاعي لتكونَ فريسةَ عهودكِ
لكنْ
لو تعرفين كم أدوّخ اعتكافي
كم يطير وقتي من سماءِ قلبكِ
وأجعل خبزي طعاماً لطيورِ برّكِ ودموعي مياهاً لعطشِ البساتين
لو تعرفين كيف أمضي حياتي
كيف أستجمع هواءً من بلادِ خيالكِ
وأُفتي بالانتقام ليكونَ سبيلكِ الى غموضِ المعرفة
لتفوزي بظلالي كمساءاتٍ تنام في حلكةِ الغدِ والذكريات
كم أكره بخلَ كلامي وحبّي
كم يجرفني كفري واهتزازُ يقيني
كم أقاتل رأسي لأجلكِ
وكم يُغنيني أني في عرينِ وحدتكِ وتحت صمتكِ
لتفوزَ قسماتُ وجهي بكثافةِ أقنعتكِ.
لكنْ
لو تعرفين
من كثرة ما أحببتُ
بتُّ أسيل كينبوعٍ في النهرِ الأخير
لا أعيش بل أراقب عمري خالياً مني
فماذا أفعل لأجهزَ عليه
لأكرهَ الحبَّ
ماذا أفعل لأحبَّ أكثرَ من حبّي؟


الآراء (0)   

دعمك البسيط يساعدنا على:

- إبقاء الموقع حيّاً
- إبقاء الموقع نظيفاً بلا إعلانات

يمكنك دعمنا بشراء كاسة قهوة لنا من هنا: