نبذة - عقل العويط | القصيدة.كوم

شاعر وناقد وصحفي وأستاذ جامعي لبناني (1952-)


173 | 0 | 0 | 0




هاكَ نبذةً عنّي أيها الموت
فقد ترفع الكلفةَ بيننا
ومَن يعرف
قد أدعوكَ لتكونَ ضيفاً لوجودي
قد أغفّيكَ لتتقمّصَ الخيالَ والزمن
وربما حيلةَ نهمي
قد أُشعِلكَ بهَوَسِ تجميدِ الطفولة
وبالعشيقةِ الحياة
قد أقاسمكَ رغيفَيْ دموعكَ ومرونةَ العينين في الفشل
قد أسترق وَلَعَكَ بسخريةِ أعماري وبشهوةِ الاستمرار
ألم يعجبْكَ تألّقُ النزولِ الى الجحيم أيّها الموتُ
وفداحةُ استقوائي بالانتحار
كي تمنحَني قتلَ التيقظ وبرقَ الغياب؟
ألم يعجبْكَ أني شريككَ في ضجرِ الأرض
وتوأمكَ في شهوة المنتصف
وظلالكَ مع جَواري السماء؟
ربما توصي لي بالممالك دون سوايَ
ربما تصرف انتباهكَ عن مشاعرِ الكتب
وعن فنوني في تقريظِ المراهقة
هاكَ نبذتي فلربما تتغاضى عن قسوتكَ
ربما تمنحني فتنةَ التملّص من رغباتِ عينيكَ
ونعمةَ العودة من ظهيرةِ العمر
ربما تفترض أني سأكون رفيقكَ في التجوال وظلّكَ في الخيانة
فأرتّب لكَ المزيدَ من المغفَّلين والأتباع
ربما أستمهلكَ بعضَ الفصول ليدّخرَ الأصدقاء قليلاً من الثرواتِ والسنين
كي يعودوا بلكناتٍ ضاحكة
ربما أكتب سيرتكَ المضنية وأضفي عليكَ نكهةَ التمويه
ربما أيضاً تضع حدّاً لبدائيتي في اجتنابِ الأمل
ولغريزةِ صمتيَ المغمورةِ بالشغف وثعالبِ الودّ
ومَن يدري
فقد تختم فطرتي
وتفتح أمامي ميزةَ العيش في كتاب المطلق.
هاكَ تفاصيلي إذاً أيها الموت لنتفادى النسيانَ والخطأ:
شيءٌ من كثافةِ النوم للحؤولِ دون ارتطامِ الأصوات في الرأس
تدجينُ الليل بالمواظبة عليه
الخروجُ صباحاً بأمطارٍ خفيفة
فشلٌ في بناءِ سعادةِ النهار وصلافةٌ في صمتِ التعبير
إخلاصٌ في كسرِ الحديقة تحسّباً لرعونةِ الأفكار
عدوانيةٌ لتمتينِ العرى بين الدموع
بعضٌ من توتّرِ القلب يؤثّث النظرات بحكمة الضوء
ظنوني بأنكَ سهلُ المنال وسريعُ العطب
وبأنكَ مدعاةٌ للسخرية عندما تجمع موتاكَ وترقص دائخاً في متاهةِ الأعالي
إحساسي بأنكَ
وبأن التملّقَ كثيرٌ من حولكَ وحولي
وبأن الذاتَ ركيكةٌ وآفِلةٌ أيها الموت
كي تستطيعَ تمويهَ الدجل بضحكةِ الاستمرار.
لنعدْ الى البداية أيها الموت
لن تلقى مني اصطناعَ التهذيب
ولن أكونَ اللائقَ أمام صناعةِ خيالكَ
لن أخرجَ إليكَ بضحكةٍ أنيقة ولا برفقةِ أحد
لن أجاملكَ ولن أحبّكَ!
لقد احتملتُ موتَ حياتي أعمقَ ما استطعتُ
وذهبتُ بعيداً في الشطط وفي الهزيمة
قامرتُ وخسرتُ
وفعلتُ دواليكَ ولم أربح
فليس الكرهُ ما أكنّه لكَ أيها الموت
لأنه لن يكون كرهٌ أكثر مما أخبّىء لدموعي
ولن تكونَ رغبةٌ أبعد مما أغمر به حواسي.
لا ليس الخوفُ ولا الغيومُ ما يستولي على نفوسي
حتى ولا غشاوةُ الانتهاء
بل سكوتٌ مطبقٌ
والغيرةُ أيضاً
فالحياةُ لن تكونَ معي عندما سيرقد جسمكَ الى جِواري
لن أستيقظَ وحيداً على عادتي
لأشربَ الأفقَ مع أعشابِ الجنينة
لن أحاورَ أفراحَ يأسي وضجري
لن أخدشَ نجمةً أراها في الظهيرة
ولن أرى
لن يكون معي خيالٌ لأستجمعَ كتباً لم أكتبْها
لأتطايرَ في شظايا الظلالِ والضوء
غامضاً كعصفورٍ تشعله قسوةُ التحليق فوق غيمة الانتحار.
لا ليس الانحلالُ ما يخيفني أيها الموت
بل شعوري بأنكَ الرابح ولا منازلة
بأني لم أقامر جيّداً
ولم أسهر عمقي وخيانتي
لأعود مطأطىءَ الأفكار
وفراغ قلبي في برودةِ يديّ.
لا ليس الخوفُ أيها الموت
بل ماذا يكون شأنُ حبّي بعدي
وصالُ الباطنِ في لحظةِ صعودِ الشبق
أحوالُ المرأةِ شبهِ العارية
نشوةُ الشعر
والموسيقى
هل نسيتَ الموسيقى أيها الموت
والقصائدَ المنزلقةَ على أطرافِ لساني
وماذا يكون شأنُ الذاكرةِ الهاربة والذاكرةِ التي تتذكر
ومن يحلّ مكاني في كلّ هذا أيها الموت.
أرأيتَ أيها الموت!
إنها الغيرةُ فقط
شعوري بأن الأوراقَ البيضاءَ ستظلّ بيضاء
وبأن العريَ سيزداد عرياً
وكذلك انتظار تلك المرأةِ لي.
هل تريد المزيد؟
كلّما حاولتُ أن أدجّنَ نفسي أيها الموت
أن أدملكَ وأسلّيكَ بكحولِ الوقت
كلّما حاولتُ أن أرتّبَ يقظتي كي تحدسَ بالألم قبل وقوعِهِ
منمّياً أغصانَ الشرود لتحطَّ عليها عصافيرُ سهري
كلّما حاولتُ أن أروي لحياتي حكمةَ صخبكَ المتمدّن ووجودكَ العادل
أن أروي خلودَ الأفكارِ المحفوظةِ في إنائكَ الخفيّ
وروحاً تغيِّم على مسافاتٍ قريبة
كلّما حاولتُ أن أعوي تحت رذاذِ الماءِ المندهشِ من عيائي
أن أختفي كلَّ صباح في النظراتِ اللاهية
كلّما شممتُ بالغريزة عطوركَ الكثيفة في أروقةِ رأسي
وفاحتْ هلوساتكَ في فراشِ الرعشة وعلى طاولاتِ المقاهي
كلّما تذكرتُ أنكَ تصنع لي عذوبةَ هذه الأفكارِ الصعبة
كلّما حاولتُ أيها الموت أن أحكي للحياة عن بستانٍ سأقيمه لهدوئكَ في القرية
أيقنتُ أن نبذتي لا تخلو من رفعِ الكلفة
وأني لن أكرهَ موتي أكثرَ مما أخافكَ أيها الموت!
لا تكن ليّنَ العريكة
فلن أشيحَ عينيَّ عن يديكَ الغامضتين
لن أجازيكَ يا خائني ولذيذي
لئلاّ تتعاطفَ يوماً مع حنكةِ بقائي
سأدجّنكَ لتنسى
سأبلسمكَ لتغطّي وجعي بالعشب
فلا ترفع الكلفةَ بيننا أيها الموت!




الآراء (0)   

نحن نمقت الإعلانات، ولا نريد إدراجها في موقعنا، ولكن إدارة هذا الموقع تتطلب وقتاً وجهداً، ولا شيء أفضل لإحياء الجهد من القهوة. إن كنت تحب استخدام هذا الموقع، فما رأيك أن تشتري لنا كاسة قهوة على حسابك من هنا :)