شكرا للذكريات التي أعادتني إلي - الطيب طهوري | القصيدة.كوم

شاعرٌ جزائريٌّ (1956-) يقول: مُدني بعصاك البعيدةِ، سحرِكَ.. كي ما أمد يدي في الظلال.. مدني بعميق السؤال.


237 | 0 | 0 | 0



ما الذي غيبك هذه الليلة ، يا دودتي؟..
لا نجوم في سمائي..
ولا نعاس في..
ومنقاري تيبس من برده..
أخرج مني وأسير في طريقك..
قدماي تصطكان بك أيتها البعيدة..
وجناحاي يعجزان عن الطيران..
وهذا الظلام الذي يلفني فيه يأتيني بطيفك قليلا قليلا..
أرى عينيك تبتسمان لي..وتبتسم عيناي..
أسمع صوتك يعانقني..واغني لك..
أشم رائحة ترابك بعد ان أمطرتِ في خطاي..وأُزهرني..
لكنه العواء الذي يأتي من بعيد ويقترب رويدا رويدا مني يعيدني إلى داخلي..
أنكمش عليَّ..وأنساني..ولا أنساك..
***
في نهارك أنهض مني..وأمشي في خطاك..
ولا ترينني..
عيناك لا تبتسمان لي..
ولا صوتك ينادي علي..
وترابك لم امطر عليه لأشم رائحته..
أزقزقني حزنا..
واواصل الطريق إليك..
والطريق تتيه..
أسأل الأشجار..ترد:
في طريق السماء أنا..وجناحاك لا تطيران..
أسأل الصخور..تجيب:
أعرف طرق سفوح الجبال وشعابها..
قدماك رهيفتان..وطرقي أشواك وأشواك..
الهضاب تقول لي:
كل الجهات طرقي..وأنت طريقك فيك..
مثلها تجيب السهول..
الأنهار تضحك:
طرقي مائي..ولا قارب لك..
أستدير علي..أجمع كل خطاي وأدخلني فيها..
أدحرجني إلى كهوفك..
أنساني فيها..ولا انساك..
***
تندلع ريحك فيَ هذه العشية..
أصعد بي عاليا..
أصل إلى صدري متعبا ألهث..
أخفق..أتجاوز المئة خفقة في الدقيقة الواحدة..
عقربا ساعتي يتصارعان..يختلط الأمر عليهما..
يعودان إلى الخلف مجنونين..
مثلهما أعود إلى خلفي..وتحت قدميَّ أكون..
التراب جفاف..
وأستفني..
أقول لي: ربما هي في التراب هناك..
يا ترابي، اسأل ترابها..
بمنقاري أذريه وأقول لريحك خذيه إلى هناك..
في داخلك انا فكيف أوصل ترابك إلى ترابها؟..
أخرجني منك إذن..
أنكمش علي وأضغط..وتطير الريح بي..
ثقيل انت،أسمعها..وتسقط بي..
ويكون الليل حينها..
ولا نجوم فيه..
لا نعاس في..
***
وانتِ، أيتها الذكريات، لماذا تنامين؟..
أغلق الأبواب كلها..أبوابي..أبواب الليل وأبواب النهار..
وأبواب الجهات..
أمرر جناحيَّ عليك..وأوقظك..
وأدور في بعيدك ها هناك..
تستيقظ الشجرات التي حكتنا لعصافيرها..
تستيقظ العصافير التي زقزقتنا..
تستيقظ الخطى..
يا لتفاح هذه الشجرة..أقطفني ناضجا وأهديني إليك..
وتقضمينني..
تقولين لي لحظتها: ما ألذك..
وما اشهى ريقك وهو يمتزج بي، أقول لك..
على العشب تتمددين..
أتمدد وأضمك إلى صدري..
وبريشي أغطيك..
تمطرينني وأمطرك..
ونسيلا معا في تربة المكان..
نتلوى سعيدين..
يستيقظ التراب سعيدا مثلنا..ويحظننا..
يقول لحشائشه وحجارته:
اشربي يا حشائشي، ارتوي..
اغتسلي يا حجارتي..
نرفع رأسينا..نرى العصافير أسرابا أسرابا تنزل وتعانق أغصانها..وتغني مبتهجة لي..
نرى الدود يخرج مغتبطا..
شكرا شكرا ، يهمس لي..ويرقص لك..
وفي النهر نكون..
صباح الأرض، يادودتي، أهمس في أذنيك..
صباح السماء، يا عصفوري، تهمسين في اذني..
صباحكما أشجاري واحجاري، أعشابي وازهاري، تهمس الأرض..
صباحكما غيومي ونجومي،رياحي ونسائمي، تهمس السماء.... ثم..
تغيِّمنا..
تكونين غيمة في سمائي وتمطرين على تربتي الباردة..
أكون غيمة في سمائك وامطرني على تربتك الساخنة..
ومن جديد تسيلين في..
من جديد أسيل فيك..
يادودتي..
***
مرت ليالٍ كثيرات..
ونهارات..
مرت رياحك فيها..
ومر قبري..
ها أنت تسْهرينني..
تدغدغينني ..وأضحك..
وتضحكين معي..
وها أنذا شهي جدا جدا، يا دودتي الرائعه..
يا ناموستي..
يا خَمرتي..
ويا نبض قلبي السخي..
***
شكرا كثيرا كثيرا، أيتها الذكريات التي أعدْتني إلي، أقول..
وأبتسم سعيدا بك..
شكرا كثيرا كثيرا أيتها التفاحة التي قضمتْني، تقولين..
وتبتسمين سعيدة بي..


الآراء (0)   

دعمك البسيط يساعدنا على:

- إبقاء الموقع حيّاً
- إبقاء الموقع نظيفاً بلا إعلانات

يمكنك دعمنا بشراء كاسة قهوة لنا من هنا: