في السُّوقِ أغنيةٌ تُمَجِّدُ وَجْهَ تِمْثَالٍ وَصَانِعَهُ،
يُغَنِّي عن يَدَيْهِ وحِرْفَةِ الفَخَّارِ لَكِنْ لا يَبُوحُ بِسِرِّهَا،
يقضي أَسَابيعًا لِيَحْفِرَ بَسْمَةً أو نَدْبَةً في الوَجْهِ
لمْ يملِكْ سِوَى طينٍ وإزميلٍ وَوَقْتٍ ضائعٍ
في الليلِ يَحْكِي للتَّماثيلِ الأساطيرَ القديمةَ
عن تماثيلٍ تَمَشَّتْ حينَ أَبْدَعَ صانِعُوها،
عَنْ تماثيلٍ تُغَنِّي أو تُصَفِّقُ،
ينقضي ليلٌ كئيبٌ وهو يَحْكِي،
ثُمَّ يَذْهَبُ في يَدَيْهِ أُغْنِيَاتٌ
عن يَدَيْهِ وحِرْفَةِ الفَخَّارِ لَكِنْ لا يَبُوحُ بِسِرِّها،
"صِدْقًا يَدَاهُ تُمرِّرَانِ الرُّوحَ في الفَخَّارِ"
قالَ العابرونَ على بضاعتِهِ،
ولمْ يَحْفِلْ بِهَا أَحَدٌ سِوَاهُ هُوَ المؤلِّفُ والمُغنِّي.

في السُّوقِ رائحةُ العُطُورِ تفوحُ من أزهارِ سيدةٍ مُزَارِعَةٍ
تُفرِّقُ وَرْدَهَا البَلَدِيَّ فَوْقَ الطَّاوِلاتِ،
غِنَاؤهَا للوَرْدِ يَهْدِرُ "يا تُرَى مَنْ يَشْتَريكَ؟"
"كأنَّ رائحةَ الجنانِ تَفُوحُ"
قالَ العابرونَ على بضاعتِها،
ولمْ يَحْفِلْ بها أَحَدٌ سواها.

في السُّوقِ لَحْنُ كمَنْجَةٍ يَدْوِي،
وعازِفُهَا يَرُشُّ السُّكْرَ مِنْ يَدِهِ على البَاراتِ،
غَنَّى كُلُّ مَنْ فيها،
تَوَحَّدَ سُكْرُهُمْ بالخَمْرِ واللحْنَ الأنيقَ،
يَبُثُّ موسيقاهُ ضَوْءًا في الظلامِ وحِكْمَةً أَبَدِيَّةً،
"وكأنَّ موسيقى ملائِكَةٍ تُغَرِّدُ"
قالَ كُلُّ العابرينَ لعازِفِ الألْحَانِ،
لمْ يَحْفِلْ بِهَا أَحَدٌ سِوَاهُ هُوَ المُؤلِّفُ والمُغَنِّي.

في السُّوقِ حَكَّاءٌ يَمُدُّ حِبَالَ رحلتِهِ معَ الكَلِماتِ،
يَسْحَرُ كلَّ مَنْ مروا هُنَاكَ بِرُكْنِهِ في السُّوقِ،
يَحْكي عن لَيَالٍ زادُهَا الذكرى الكئيبَةُ والدُّمُوعُ،
وكأسُهَا سَهَرٌ،
وَرُفْقَتُهَا الطَّريقُ بلا دَليلٍ أو صَدِيْقٍ،
والقَنَادِيلُ الأناشيدُ،
الليالي حينَمَا تقسُو عَلَيْنَا،
حينَ تَجْرَحُنَا بلا سَبَبٍ،
ويبكي ذلكَ الحَكَّاءُ مِنْ وَجَعِ التَّذَكُّرِ ثُمَ يَسْقُطُ فَوْقَ أطْرَافِ الحَكَايا،
"صادِقٌ" قدْ قالَ كُلُّ العابرينَ عليهِ،
لمْ يَحْفِلْ بما يَحْكِي سواهُ هُوَ المُجَرِّبُ والمُغنِّي.

والعابرونَ تَجَمْهَرُوا في السُّوقِ حَوْلَ مُهَرِّجٍ
لمْ يَصْنَعِ التِّمْثَالَ بلْ يُلْقي بِهِ أرْضًا ويَضْحَكُ،
لمْ يَقُمْ بِزِرَاعَةِ الأزهارِ بَلْ يُلْقي بِها أرْضًا ويَضْحَكُ،
لا يُجيدُ العَزْفَ بَلْ كَسَرَ الكَمَنْجَةَ ثُمَّ لَوَّحَ ضَاحِكًا،
لمْ تَكْوِهِ نَارُ التَّجَارِبِ، فاكْتَفَى بِنِكَاتِهِ الحَمْقَاءِ،
لوَّحَ ضَاحِكًا،
والعابرونَ يُصفِّقُونَ ويَضْحَكُونَ،
وَيُفْرِغُونَ جُيُوبَهُمْ في قَاعِ قُبَّعَةِ المُهَرِّج.
__________