جفاف - محمد حسن علوان | القصيدة.كوم

شاعر وروائي وصحفي سعودي حاصل على الدكتوراة في إدارة الأعمال (1979-)


469 | 0 | 0 | 0



يا ربي.. لم أطلب أكثرْ

جاع جبيني في أصقاعِ العمياواتِ،

فخذ بيدي..

نقّط لي شيئاً أكتبه،

.

.

واجعل لي دفتر!

* * * * * *

ذكّرني ما أنسى من نفسي،

فلقد أصبحتُ قنوعاً جداً حين أطارد رزقي في الأوراقِ،

وما عدتُ أناضل كي أنشب ظفري فيها

أصبحتُ أطالع صفحاتٍ كان يحرِّمها الشعرُ علينا،

كالرأي العام، وأخبار المسؤولين، ومقالُ سياسيٍّ بارزْ!

أصبحتُ بليداً كالأرقام، ومركوناً تحت هموم الواقع كملفٍ أزليّ التصنيفْ!

يا ربي، من يتشابهْ مع هذا الوقت تمورُ بمهجته اللحظاتُ،

ومن يقطعه عرضاً، أو يخدشُ رغبته، أو يمشي عكس السائد،

أو.. (دعني أكمل!)، من يتمددُ فوق رصيف تمرده،

يا ربي.. يتيبَّسْ في بطء القيظ الزاحفِ.. مثل رغيفْ!

ذكّرني يا ربي مقياساً أعتمد عليه لفهم العمر، وما يحتاجُ إليه،

وتفسير الجوع المتشابكِ في صدري،

وأقلني من خطئي الدائم في تحديد الرغبة!

اليوم استيقظتُ على دقاتِ التلفِ وقد قَطَعَت مشواراً جبلياً في عقلي!،

واحتجَزَت أطفال الشعر بركنٍ قمريٍّ مظلمْ!

يا ربي ذكرني كيف أمارسُ صرخة!

ذكرني أي سلوكٍ يحدث تحت الشمسِ بلا خجلٍ،

فلقد تثقبني الدنيا بالحزن الروتينيّ،

وتطحن كل ملامح قلبي طحناً،

كي تتساوى فيه نساء الأرض، وآيات التحريم!

ذكّرني يا ربي،

فالعهد القادم عهدُ القهوةِ والقلق المأجورِ،

فكيف سأحمي نفسي من غدر مناخ الحزن،

وإنفلونزا الضجة والتغيير!

بعض الأشياء تعاندني دون مبررْ!

ولقد يركض طفلٌ من أول دكان في الحي إلى آخر شريانٍ في وجهي،

دون حكاياتٍ تسكن فيه، ودون أراجيحَ يعانقها،

لكن كي يجعلني أبدو عادياً وسخيفاً كالصور الفوتوغرافية!

ذكّرني يا ربِّ معوِّذةً تصرف عني صدف البحر المتراكم فوق سريري،

والحلقات السوداء إذا تلقيها الظلمة مللاً فتطير تطير وتسقط في عنقي!

فأنا أقلق في صمتٍ منذ نعومة أصفادي،

وأخاف من الباب تواربه الريح، ومن قسوة خادمتي الحولاء، ومنك!

ذكرني يا ربي نشوة حرفٍ يتسلق جذع الحبر ويقضم إبهامي،

فأنا أتعاون مع كل هزائم هذا العمر، وأيأسُ تدريجياً كالغرباء،

وأنفق من روحي كل صباحٍ مكيالاً من إيمانْ!

ذكِّرني يا ربي كيف أقشِّر نسغ الليلِ،

وأنكشُ من أقصى الجذع اليابس.. نصفَ اطمئنانْ!

إني أكره أن أبقى ممضوغاً في التقويم كمنتصف الشهر،

وأكره أيضاً أن لا يبقى للناس شهورٌ أخرى!،

أكره أن يصبح وجهي مأدبةً لكلامٍ لا أسمعه،

أو يكنسني الصمت القاسي مثل بقايا الطير على الشرفة،

كي يحرمني من مجد حكاية!

ذكرني يا ربي خصباً يجعلني لا أذرع هذي الريح وحيداً كلقاحٍ فاسدْ!

* * * * * *

ذكّرني كيف أكون أنيقاً في الحفلِ،

وبين عيون الحسناواتِ المنتبهاتِ لكل الهالاتِ الزرقاء بجفني،

المزدرداتِ كلامي، المقتسماتِ، إلى الأمس، ثلاثة أقنعةٍ سوداء،

من السهدِ، ومن شبح العمرِ، ومن جسمي!

ذكّرني صوتاً ينصرني حين ألوِّحُ حزناً للمذهولين أمام قراري!

(( أنكثُ عهد النسق المفروض لمن حولي،

وأسافر عكس ظنون الضوء،

وأقتل كل نصائحهم!))

لكن ذكّرني، يا ربِّي، قانون اللعبة!

أحتاجُ إلى صُهدٍ يجرف هذا الشلل المُحدثَ في أنحائي،

هذا الطنَّ من السخفِ اليحتاجُ إلى تفكير!

أحتاجُ إلى طوفانٍ يختزل جميع التعديلات المطلوبة،

هل عندك طوفانٌ آخرُ يا ربي؟!

لا شيء يعيد إليّ صداع الشعر، يداي تجفان تجفان كأعواد سجائر!

ذكّرني إيماءاتِ الترتيل السبعةِ،

والإدغام بغنة!

وطقوساً كنتُ أمارسها محموماً مثل الثور،

ولا عدل مع الأحزان، ولا ميثاق، ولا هدنة!

ذكّرني جهة الحرف إذا ضلّ بأحياء البطّالين،

وعاد ليأوي مثل الفقد المنداح من الناي إلى حانٍ لاتينيٍّ مغمورْ

ذكرني كم كان مقاس قميص أبي،

هل صرتُ كبيراً كي أدخل فيه؟،

وأصبَحَ عندي أحذيةٌ، مثل أبي، تصعد للأعلى!

ذكرني أي كلامٍ خزفيٍّ يتكسّر قبل بلوغي،

كانت أمي تزرعه في بصري المحدود لكي أنجح في الصف، ولا أكثر!

ذكرني نصف طموحي يوم بدأتُ، ويكفي هذا!

ذكرني الأشياء الصغرى.. والكبرى أيضاً!،

فالذاكرة العمياء تؤبجد عمري ببلادة أستاذ النحو،

وتنقِصني من أطراف العمر، ولا تترك صوتاً للتاريخ،

ولا مجداً للقيصرْ

* * * * *

ذكّرني معنى أن تترك لي امرأةٌ دمعتها،

والأحداثَ العاديةَ مثل ركوب السيارة عند الفجر،

وتوزيع الأحزان على الطرقات،

وترديد القيح المتسرب من مذياعْ!

ذكّرني شجناً ينقذني من هذا الحس الباردِ حتى لو جاء غبياً،

سوف أزيد عليه كذباتٍ أخرى كي أجعله سريالياً جداً،

لكن ذكّرني كيف أحسُّ به يا رب، وشكراً لكْ

لن أطلب أكثر من هذا،

لم يبق لدي دعاءٌ..

أقفل شباكك يا ربي..

.

.

واتركني!




الآراء (0)   


الموقع مهدد بالإغلاق نظراً لعجز الدعم المادي عن تغطية تكاليف الموقع.

يمكنك دعمنا ولو بمبلغ بسيط لإبقاء الموقع حياً.