فقط.. كعناقك الأخير - سناء مصطفى | القصيدة.كوم

شاعرةٌ مصريّةٌ (1970-) تدرّس اللغة الإنجليزية في وزارة التربية والتعليم المصرية.


210 | 0 | 0 | 0



عاديةٌ أنا...
وأريد أن أكتب نصًا عاديًا
عن امرأةٍ أحبّت رجلاً
رغم أنه لم يمنحها جِلدًا رقيقًا
ولم يُهدِها وردةً
لم يكن يحِب التواريخَ
ولا الموسيقى التي تَهشّ بها كل ليلةٍ
غيماتِه الإلكترونية
كان يَنظر في ساعتِه
كلما أغمضت عينيها
واشتهتْ قُبلةً..
يتمايل دخانُ سيجارتِه على جسدها
ويشكّل مدنًا مسكونةً بالرغبات
ورُسلاً يَنفخون في المزامير:
"يا جسدها حَيّ على الحب"
فتسجد امرأةٌ تَعشق الصلصال
رغم أن رَجلاً تحِبه
يأسِر عينيه الضوء.
***

عاديةٌ أنا..
وأريد أن أكتب نصًا عاديًا
عن رجلٍ أحَب امرأةً
رغم أنها كانت تَحشو وسادتَه بالمطر
وتَحبس الشمسَ بين ضفتَي دولابِها
وتُغرِقُ أمسياتِه بتفاصيلَ ممِلةٍ
عن واديها البِكرِ الذي تقطّرتْ أعنابُه
في كأسِ صيادٍ ماكرٍ
ثم تَركها عاريةً
كقمرٍ وحيدٍ في منتصفِ نيسان...
عن جارتها التي تجيد الرقصَ، مثلاً،
وهي معلّقةٌ في السقف كمصباح نيون
يوشِك على الانفجار...
عن العصفور الذي فَتحتْ له بابَ القفص
فاصطدم بقافيةٍ
هاربةٍ من بئرٍ قديمةٍ
ثم مات!
عن فستانها الشفّاف
الذي ضَبطته يدخّن التبغَ
عند الحائط الخلفي
حتى احترق.
لأجل تلك التفاصيل التي تَجعل الوقتَ
يتسرّب مِن عينيه
كما يَتسرّب الماء مِن عينَي النهر
كان يشاطِرها الحب
لا يَستر عريَهما
إلا قمرٌ وحيدٌ في منتصف نيسان.
***
عاديةٌ أنا..
كغيمةٍ لا تمرُّ في ميعادها..
كمِظلةٍ لا يَغسلها مطر
كحقلٍ تآمرتْ عليه الفصول
كانفراطِ العرَقِ على جبين الطريق
كانفلات الحنين مِن أقدام الراحلين
كصرير الروحِ مِن طول الانتظار
كبكاءِ الأبواب لهفةً لطَرَقاتِ الغائبين
كخيبةِ العائدين مِن مواعيدهم دون عناق..
كمِرآتنا التي تَضحك على خيبتنا
حين نصدِّقُ الكذبةَ
كرسالةٍ فَقدت ذاكرتَها قبل الوصول
كالبدايات التي تتأخر خطوتين
والنهاياتِ التي تَسبقنا بخطوة
كالمفاتيح التي ندرِك بعد فوات الأوان
أنها المفاتيح الخطأ!
أنا عاديةٌ كأنتَ..
كذاكرتِكَ التي تشبِه صحنَ دارنا
كقُبلتِكَ المؤجّلة
كعناقِك الأخير.





الآراء (0)   

نحن نمقت الإعلانات، ولا نريد إدراجها في موقعنا، ولكن إدارة هذا الموقع تتطلب وقتاً وجهداً، ولا شيء أفضل لإحياء الجهد من القهوة. إن كنت تحب استخدام هذا الموقع، فما رأيك أن تشتري لنا كاسة قهوة على حسابك من هنا :)