بريقُ الماءِ الراكد حيث تطفو
أفراحٌ صغيرةٌ خضراء،
ثمرةُ الشهوةِ النتنةُ،
وجهُ قمرٍ منخورٌ ،
دقيقةُ انتظارٍ متجعدةٌ،
كلّ ما لا تستهلكه الحياةُ -
فضلات وليمةِ نفادِ الصبرِ.
يفتح المحتضرُ عينيه.
بين الستائرِ، ذرّة ُالضوء هذه
تتلصَّصُ على الذي يُكفِّرُ عنها في حشرجاته،
إنها النظرةُ التي لا تنظرُ وتنظرُ،
إنها العينُ حيث تشعشعُ الصورُ
قبل أن تنحلَّ، هاويةُ البلور،
إنه قبرُ الألماس:
المرآةُ مفترسةُ المرايا.
أوليڤيا ذات العينين الخضراوين وقيثارةِ
الشلالِ البلورية،
يدان بيضاوان على أوتارٍ خضراء -
تسبحُ عكسَ التيارِ حتى ضفةِ الاستيقاظ:
ملاءاتُ السرير، كومةُ الغسيل،
بقعُ الرطوبة على الجدار،
وهذا الجسدُ البلا اسمٍ بجانبها
يلوكُ النبؤات والضغائنَ،
وخزيَ سماء السرير.
يتثاءب الواقعُ تفاهاته،
ويتكررُ أهوالًا مبقورة.
سجين أفكاره ينسجُ
ثم يحلُّ نسيجَ قماشه بلا تبصُّر،
يحفرُ جراحاته، يتهجأُ
حروفَ اسمه ويبعثرُها،
لكنها تعودُ إلى الخراب نفسه،
ترصُّ اسمَه المفكّك.
يذهبُ من نفسه إلى نفسه،
يتوقفُ في مركزه ويصرخُ:
مَن هناك؟ وينبجسُ السؤالُ،
ينفتح،ُ زهرةً جامدةً، تبرقُ،
ينفخُ على ساقها، تحني رأسَها
وتنهارُ سكرانةً
سيفًا محطمًا على جدار.
مروضةُ البروق الشابةُ
وتلك التي تزلقُ
على حدِّ المقصلة اللمّاع؛
السيدُ الذي يهبطُ من القمر
حاملًا باقة ًعطرةً من كلمات شواهدِ القبور؛
ضحيةَ الأرقِ، تبرُدُ المرأةُ الباردةُ
صوّانَ عضوها الذي أكلهُ الحَتُّ،
الرجلُ السليمُ وصدغُه حيث يعشِّشُ
النسرُ الملكيُّ، نهمُ الفكرة الثابتة قليلُ الكلام؛
الشجرةُ ذات الأذرع الثمانية المعقودة
التي يقطعها شعاعُ الحب، يشعلُها
ويفحِّمُها في أسرَّةٍ مؤقتة؛
المدفونُ حيًا مع ألمه؛
الشابةُ الميِّتةُ التي تمارس الدعارة
وتعودُ إلى قبرها عند أول صيحة الفجر؛
الضحيةُ التي تبحث عن قاتلها،
ذاك الذي أضاعَ جسدَه، ذاك الذي أضاع ظلَّه
ذاك الذي يهرب من نفسه وذاك الذي يبحث عنها
يعذِّبُ نفسه ولا يجدُ نفسه،
كلُّهم
على حافة اللحظة أموات-أحياء،
يتوقفون. يصابُ الزمنُ بالريبة
يترنحُ النهارُ.
في سريرها الطينيِّ،
ناعسةً، تفتح البندقيةُ عينيها
وتتذكَّر:
بهاءٌ غريق...
تعبر أحصنةُ سان ماركو
صروحًا معمارية مترنحة
تنزل خضراء مسودّة حتى الماء
وترتمي في البحر نحو بيزنطة.
كتلةٌ من حجر وذهول تتهزَّزُ
بينما القليلُ من الأحياء في هذه الساعة....
ولكن الضوءَ يتقدَّمُ بخطىً واسعة
طاحنًا التثاؤبات والاحتضارات.
ابتهاجٌ، نورٌ يمزِّقُ!
يرمي الفجرُ سكينَه الأولى.