إحصائيات تقييم ترجمة ' أسامة أسعد ' لقصيدة ' نافورة ماء ' لـ ' أوكتافيو باث '
عدد التقييمات: 0; |
معدل التقييم:
5 star
0
4 star
0
3 star
0
2 star
0
1 star
0
قيم ترجمة ' أسامة أسعد ' لقصيدة ' نافورة ماء ' لـ ' أوكتافيو باث '
نافورة ماء 0
مشاركة القصيدة
ساعة الظهيرة، تشامُخُ العالم.
والحجارة التي تمحو عنها الريح ما كتبه بغباوةٍ الزمنُ،
الأبراجُ المميِّلةُ جباهها بحلول المساء،
السفينةُ التي انحرفت على الشاطئ الصخريِّ منذ قرون،
الكنيسةُ الذهبيَّة المترنحة تحت حمل صليبٍ خشبيٍّ،
الباحات التي إذا عسكر فيها الجيش يصير عرضة لكل خطر،
القلعة الراكعة أمام الضوء الذي ينبثق صاعدًا من الهضبة،
الحدائق وكورس أشجار الحور والبلوط التي توشوش،
الأقواس والأعمدة المصممة على مقدار المجد، والسور الذي يغفو مفتوحًا على الشمس، منهارًا على
مرارته وعلى نفسه،
مفترق الطرق حيث لا يتسكع غير الانطوائيين مبغضي البشر، الصنوبر والصفاف،
الأسواق ووابلاتها من الصراخ،
الجدار الذي لا نعرف من بناه، ولا لماذا، جدار الحجر المسلوخ حيًا،
كل ما سُمِّر في الأرض حبًا للمادة العاشقة - يرفع مرساته
ويصعد بين يدي الساعة المقدسة.
عالم حجري قديم يرتفع ويحلِّق!
شعب من الحيتان والدلافين يلعب في عين السماء تحت رَشاش المجد،
والقلوب الحجرية الكبرى التي يجرها إعصار القيظ البطيء،
تقطر ضوءًا وتشعشع سعيدة بين الغيوم.
ترمي المدينة قيودها في النهر، ومفرَّغةً من ذاتها،
من حملها من الدماء، من حملها من الزمن، ترقد جمرًا وشمسًا في عين الإعصار.
يهدهدها الحاضر.
كل شيء حضور: كل القرون هذا الحاضر.
عين سعيدة لا ترى، فالآن كل شيء حضور، من خارجها تنظر إليها رؤيتُها عينُها!
تغوص بيدها، تقبض على البرق، على السمكة الشمسية وعلى الشعلة في كل أزرق،
على النشيد الذي يهدهد نار النهار!
وتتدفق الموجة، تطرحني أرضًا، تحطم الطاولة والأوراق وتعلِّقني على ذروتها، موسيقىً توقفت في أوجها،
ضوءًا لا يرفُّ، لا يتراجع ولا يتقدم.
كل شيء حاضر، مرآة غير مفضّضة: لا ظل، لا وجه داكن، والكل عينٌ.
كل شيء حضور، أنا حاضر في كل شيء، ولكي أرى أحسن وأحترق أكثر، أنطفئ،
أهوي فيَّ، أخرج منّي، أصعد حتى القذيفة لأسقط حتى الفأس:
وتنفجر
الكرة الكبرى، كرة الزمن المتقد الكبرى، الثمرة التي تراكِم كل عصارات التاريخ، والحضور والحاضر،
تنفجر كمرآة محطمة وقت الظهيرة، كظهيرة محطمة على جسد البحر والملح.
ألمس الحجر، لا يجيبني؛ أمسك الشعلة، لا تحرقني: ماذا يخفي هذا الحضور؟
ما من شيء وراءه، فالجذور احترقت والأساسات متسوسة،
يكفي أن أرفع يدي حتى تنهار كل هذه العظَمة .
ولكن من الذي سيقدر على تولِّي هذه العظَمة، ولا أحد يقدر على تولِّي انكفائه وتخلِّيه؟
أدخل في جوف ذاتي، لا أجيبني، أنا منفى،
فقدت وجهي بعد أن فقدت الجسد والروح.
أمرُّ أمام عينيَّ دون أن تكون أي من حركاتي لي.
من الذي سيتولّى
هذيان قتل الموت بخفقة خفيفة من جناح الصورة،
وقضاء الليل الطويل في نحت جسد الصاعقة الفوري،
بينما ليل الحب، جسر معلق بين هذه الحياة والأخرى؟
لا يؤلمني الجرح القديم، لا يحرقني الحرق القديم، فمكانَ الفصل والاقتلاع من الجذور، والفم الذي منه يتكلم الموت في الحلم، وتتكلم الحياة، ندبةٌ ممحوّة وخفية.
لن أبذل الحياة من أجل حياتي: قصتي الحقيقية شيء آخر.
لا تزال المدينة تنتصب واقفة.
تحط الشمس بسلام على راحتها اليمنى.
ويشتد ماء النوافير المتدفق بياضًا وعلوًا.
كل شيء يستقيم وينتصب كي يسقط أفضل.
وذاك الذي سقط تحت فأس هذيانه، ينتصب واقفًا.
من جبينه الجريح يسيل عصفور أخير.
إنه توأم ذاته،
المراهق الذي يأتي كل قرن ليقول بضع كلمات، نفسها دائمًا،
والعمود الشفاف الذي ينطفئ ويشعشع وينطفئ بوتيرة سرعة كتابة القدر.
وفي وسط الساحة، تنتصب رأس الشاعر المحطمة نافورةَ ماء.