ها أنا ذي - أولغا توكارتشوك | اﻟﻘﺼﻴﺪﺓ.ﻛﻮﻡ

كاتبة وناشطة ومفكرة بولندية، حاصلة على جائزة نوبل للآداب عام 2018 (1962-)


1156 | 0 |



بضع سنينَ عُمريَ الآن. أجلسُ على حافّة النافذة، محاطة بلُعبٍ متناثرة وأبراج مقلوبة ودمىً بعيون متورّمة. ها إنّها العتمة في البيت، والهواء يبرد في الغرف، على مهله، ويعتم. لا أحد إلّايَ هنا؛ لقد رحلوا، لقد ذهبوا، ولكنّ المرء يستطيع سماع أصواتهم تتلاشى، وذلكَ المشي الوئيد، أصداءَ وقع أقدامهم، وبعض ضحك قصيّ.

فارغ، خارج النافذة، الرّيف. والعتمة تُرخي سدولها، بهدوء، من السماء، وتهبط فوق كل شيء كنَدىً أسود. أسوأ شيء هو السّكون، الواضح والكثيف – غسق بارد والضوء الواهن لمصابيح بخار الصوديوم قد تلطّخ بالعتمة، للتوّ، على بُعْد بضع أقدام من حيثُ أتى.

لا شيء يحدث – زحف العتمة يتلكّأ عند الباب المفضي إلى البيت، وصخب الخفوت يسقط صامتًا، ويغلف كل شيء، بغشاء غليظ، كالذي يتكوّن حين يبرد الحليب الساخن. معالم البنايات المنعكسة على خلفية السماء، تمتد بلا نهاية، فاقدة زواياها الحادة وأركانها وحوافها، رويدًا رويدًا. ثم يأخذ الضوء الخافت الهواء معه – فلا شيء يبقى للتنفس. ها إنها العتمة تتسرب إلى جلدي الآن.

والأصوات قد تموّجت في داخل أنفسها، واستردّت عيونَها الحلزونَ؛ لقد غادرت أوركسترا العالَم، وتلاشت في الحديقة العامة. ذلك المساء حدُّ العالم، ولقد عثرت عليه، صدفةً، في أثناء لهوي، وليس بحثًا عن شيء. لقد اكتشفته لأنّني تُركت بلا مراقبة لوقت قصير.

لقد وقعتُ في شرَك الآن، ولا أستطيع الخروج. عمري بضع سنين، وأجلس على حافة النافذة، ناظرة إلى الباحة الباردة. لقد أطفأت أضواء مطبخ المدرسة؛ وغادر الجميع. كلّ الأبواب موصدة، والكوى مغطّاة، والستائر مسدلة. أرغب في المغادرة، ولكن لا مكان أذهب إليه. فلا شيء إلّا وجوديَ واضح المعالم الآن، هيئة ترتعش وتموج، ولكنّها تُوجِع حين تفعل ذلك. ولكنني أعرف على حين غفلة: لا شيء يستطيع أحد أن يفعله الآن، ها أنا ذي.





(ﺟﻤﻴﻊ ﺗﺮﺟﻤﺎﺕ تحسين الخطيب)
اﻟﺘﻌﻠﻴﻘﺎﺕ (0)   






دعمك البسيط يساعدنا على:

- إبقاء الموقع حيّاً
- إبقاء الموقع نظيفاً بلا إعلانات

يمكنك دعمنا بشراء كاسة قهوة لنا من هنا: