الحلم القطبي - لارس سابي كريستينسن | اﻟﻘﺼﻴﺪﺓ.ﻛﻮﻡ

شاعر وروائي ومسرحي نرويجي دنماركي (1953-)


1139 | 0 |




حذاء ملقى على الرمل، الرمل الأبيض، بينا ينزلق البحر مقترباً في حركةٍ بطيئة لا منكسرةٍ، جاعلةً الرمل أسود، قدمه المتآكلة تدحرجُ الحذاء، ثم تجذب إلى الوراء الزرقة المتدرّجة بحاشية رغوة تغطّي الشاطئ. في ذات اللحظة أو بعد ذلك مباشرةً قبل أن يعود الماءُ ثانية، أكثرَ قوّة هذه المرّة، ملامسًا الحذاء، دافعًا به عميقاً إلى الرمل الكثيف الداكن، ثمّ يتلاشى ثانية في موجة مرتدّة تتدحرج على نفسها. هذه ساعة البحر، قطرة بقطرة، هذا تقويم الساحل تقلّب صفحاته الريح، وقتاً بوقتٍ، صباحاً بصباح. فيها، الوقت يقف بلا حراك وقد يرجع إلى الخلف في تيّار سفليّ أزرق، ثم موجة وقتٍ أخرى تتدحرج على نفسها. لا أثر على الرمل، كأن لاشيء حدث، كأن لاشيء حدث بعد، سوى فردة الحذاء هذه، من الصعب القول، إن كانت لرجل أو لامرأة، يمنى أو يسرى، لطفلٍ أو لراشد. من الصعب أيضا الرؤية، فقط مشط القدم ظاهرٌ الآن، ثنية في الرمل. هل حدث شيء، سألتْ، ليس لأني أعرف، أجابَ، إنهما الزوجان اللذان لم يصلا إلى هنا بعد كانا يتكلمان، وربما قد يأتيان إلى هنا الموسم القادم، بعد عشرين عاماً، أو خلال القرن القادم، تسأل هي، هل تحبني، أنا أشعر بالبرد، يقول هو، تلك لم تكن إجابة، تقول هي، يستلقي على ظهره، العينان مغمضات في الشمس الشاحبة، قريباً يجيء سبتمبر، يقول هو، تستلقي على بطنها، فرشة تحتها، الخدان على الرمل، محبطةً للحظة، تسأل ثانية هل تحبني، طبعاً أحبك، إذا كان طبعاً إذا لا تحبني، ينهضُ ويذهبُ، تطوي الفرشة وتتبعه، رملٌ على وجهها، الذين لم يصلوا بعد كانوا قد ذهبوا، هل كانوا الذين تركوا وراءهم فردة الحذاء، لا، تذكرت أن تأخذ كل شيء معها قبل أن يموتا وعلى الجانب الآخر للتقويم، في شهر ديفون 350 مليون سنة مضت، حفريّة تتنصّل من حجرتها، غلاف وريش على إطارها، ذيل سمكة، جناح، ينطلق ويطير. هل وضعتُ مرّة الحلم خطأ في ملف الخيوط، عندما ذهبتُ إلى السرير كنت قد هرمت، متعباً جفاه النوم كما يمكن لروح هرمة أن تكون، بيد أن البشر لا يعول عليهم، تضع الحلم مخالفا لمكبّه، ترى كلّ شيء يستحيل إلى غبار وينهض من جديد. يسقط وينهض، في الترتيب المعكوس ترى الحجر يصير غبارا والغبار يكبر ليصير جبلا،، ترى تصير الشجرة بذرة والبذرة تنتشر في الغابات، ترى القطرة الواحدة تتجمّد فتصبح جبل ثلج كامل في المنحدرات الساطعة، ينزلق نحو شعلته، وترى الهيكل العظمي يتشظّى، عظمةً عظمةً، عقلةً عقلةً، مفصلًا مفصًلا، سنًا سنًا، ثم تتّحد معًا مرّة أخرى ببطء وثبات فالفراق يشبه الوصول، المهد يصير تابوتا، القبر مهدًا، كلّ شيء مقلوبٌ، لو نظرت بعناية سترى لمحة من شجرة السمّان الأخيرة، مكدسة في أكياس من خيش ونجوم، باقة حمراء على حافة الأرض، على حافّة البرد، كلّ شيٍ مقلوبٌ وتستيقظ أنت بإطار طفلٍ وهمهمة قلب طفلٍك إلى متى يستمر سوء الفهم هذا لكن ببطء وتفكير راشد، ومراجعة نفس ولا أطول من الليلة اللاحقة يجري الحلم الجهة الأخرى، بسرعة بالغة، ليسترجع ما تمّ فقده، لديك مائة عيد ميلاد واحداً بعد الآخر، أنت فقط تمكنت من إطفاء الشموع قبل أن تشعل أخرى لك. تقف وسط مشعلة من ثواني وقريباً بلا نفس تحترق في الداخل بما تبقى من أيامك وسنواتك المقررة لك. إنه مماثل لفيلم في أيام ما قبل الألوان، صورة تجمدت سريعاً في ألواح الريح الحادة، حيث الوقت قريبا والوقت قائم، ما بين ذلك غير موجود وبذلك هو مشهد مستحيل. عليك أن تمزق نفسك، عليك أن تنهض وتكون في وقت ظهورك، مولدك، لأنه أينما لا يوجد، هناك دائماً وقتٌ، دائماً وقتٌ دقيق، كالآن، الآن تماماً
كما لا يوجد أينما، يوجد دائماً مكانٌ، كالهنا، هنا تماماً يوجد دائماً وضعٌ، بغض النظر عن الخطأ، أوّلُ بوصلة كانت المغنطيس يطفو على صليب خشبي واستمرت الإبرة في الدوران
تدور الإبرة الدرجات بين الأرض والبحر وتشير أخيرا إلى ursa major، تجاه الدب العظيم وسلة الجنان، تجاه ندبة القطب، العتمة التي نمت إلى ضوء لا يموت أبداً في أعلى هذه القاعة
الذي لا يموت أبدا فوق هذه الشاشة العظيمة، فوق قصائد الأحفوريات القديمة وديْن الأمواج المتدحرجة بلا نهاية. في زمن سابقٍ كان يعتقد أن ريحا مميزة للإخصاب خلقت الأحفوريات كمخططات للكائنات في المادة الميتة، أن إلاهاً نفخ في شكل متماسك هذا الصورة الحية، بصمة الحركات هذه، الكتابة إلى الخلف، الخلقة المقلوب. ليكن هناك لا ضوء، بل حجر، فحم، صمت، ليوناردو دافنشي سمى الأحفورات بقايا الرفاهية و نزهة بالغة الطول، هكذا فكّر دافنشي.





(ﺟﻤﻴﻊ ﺗﺮﺟﻤﺎﺕ عاشور الطويبي)
اﻟﺘﻌﻠﻴﻘﺎﺕ (0)