الهبوط - راؤول سوريتا | اﻟﻘﺼﻴﺪﺓ.ﻛﻮﻡ

شاعر تشيلي، حاز جائزة بابلو نيرودا للشعر وجائزة القومية للأدب التشيلي (1950-)


1062 | 0 |




ألمسُ إهابكِ، جسدكِ، وأطرافُ أصابعي، التي اعتادت أن تلاحقَ أطرافَ أصابعكِ، تحسُّ في العتمةِ بأننا نهبطُ. لقد دمّروا الجسورَ جميعَها وسلاسلُ الجبالِ تغرقُ، والمحيطُ الهادئُ يغرقُ، وما تبقّى منه يغرقُ أمامنا آنَ بقايا قلبنا تغرقُ. وفي وجه الموتِ، قالَ لنا شخصٌ شيئًا عنِ البعثِ والنشورِ. هل يعني ذلكَ أنَّ محجري عينينكِ الفارغينِ سيبصرانِ؟ وأنّ أطرافَ أصابعي ستواصلُ لمسَ أطراف أصابعكِ؟ أصابعي تلمسُ في العتمةِ أصابعكَ ثم تهوي كما رؤوسُ الجبالِ الآنَ. والبحرُ يسقطُ. كحبّنا الميّتِ. كتحديقتنا الميّتةِ، وهذي الكلماتُ الميّتةُ تسقطُ. كحقلِ أقحوانٍ يتثنّى، ألمسُ إهابكِ، جسدكِ، ويدايَ تحاولانِ أن تجدا في العتمةِ إهابَ الثلجِ الذي قد نعيشُ فيهِ ثانيةً. ولكن، كلّا، لا يبقى من رؤوسِ جبالِ الأنديزِ سوى آثارِ هذي الكلماتِ، ومِن هذي الصفحاتِ الميّتةِ، وحقلِ الأزهارِ الميّتِ الواسعِ هذا، حيث سلاسلُ الجبالِ كأكفانٍ بيضاءَ، ونحنُ تحتها، لا نزالُ نعانقُ بعضنا، ونغرقُ.
***

جبالُ الأنديزِ نجومٌ ميّتةٌ في قعرِ بحرِ الحجارةِ. والمحيطُ الهادئُ نجمةٌ ميّتةٌ في قعرِ بحر الحجارةِ. تحتَ الحجارةِ ضريحُ البحرِ وسلاسلُ الجبالِ كَلَيلٍ طافحٍ بالأقحوانِ والنجومِ الميّتةِ. نجومُ جبالِ الأنديز الميّتةُ وصليبُ المحيطِ الهادئِ في قعرِ الحجارةِ. ينحني الأقحوانُ أمامَ الصّليبِ وينتحبُ. في بلد عدوٍّ، مباحٌ للنجومِ أن تُكوّنَ صليبًا فوقَ وجهينا الميّتينِ.
***

نسمعُ البحرَ يسقطُ، رؤوسَ الجبالِ والسهولَ، وكانَ جسدانا الأعميانِ قد سقطا ثم تكوّما تحتَ الحجارةِ. زهورُ الأقحوانِ تئنُّ، لعلّها الأصابعُ التي تجدنا وتلمسُ فينا السواحلَ المُفرغَة. ربّما مباحٌ للأزهارِ. وربمّا، في بلد عدوٍّ، مباحٌ لزهورِ الأقحوانِ أن تنحني فوقنا وتلمسُنا في البحرِ الساقطِ. وربّما، في بلد عدوٍّ، تلمسُ زهورُ الأقحوانِ الجبالَ آنَ تصعدها بأصابعها.
***

ألمسُ جسمكِ، إهابكِ، وأطرافُ أصابعي تبحثُ عن أطرافِ أصابعكِ، علّني إن أحببتكِ وأحببتني لا كلُّ شيءٍ يضيعُ. الجبالُ تنامُ في الأسفلِ وربّما أزهارُ الأقحوانِ تضيءُ الحقلَ بزهورٍ بيضاءٍ. حقلًا حيثُ الأنديزِ والمحيطُ الهادئُ يستيقظانِ، متعانقينِ، تحتَ الأرضِ الميّتةِ، وعيوننا منبجسةً في الربيعِ الجديدِ تصيرُ أفقًا من زهورٍ. هل ستكونُ؟ أمثلِ هذا تكونُ؟ تواصلُ أزهارُ الأقحوانِ انحناءها على البحرِ الذي هو ميّتٌ، على القممِ الهائلةِ الميّتةِ وفي العتمةِ، حين نسقطُ، كإهابينِ مُفرَغينِ يبحثانِ عن بعضهما، أصابعي تتلمّسُ كي تلمسَ أصابعكِ، وإن لمستُكِ ولمستِني، فربّما لن يضيعَ كلُّ شيءٍ ونستطيعَ أن نعرفَ شيئًا من الحُبِّ لا نزالُ. مِن كلّ الحُبِّ الميّتِ كُنّا ومن حقلِ أزهارٍ سينمو حينَ كفنانا الأبيضانِ، حينَ كفنانا اللذانِ من ثلجِ كلِّ الجبالِ الغارقةِ تُقبّلنا ونحنُ ممدّدينِ على وجهينا فنديرُ رموشَ أعيننا منتصبةً إلى الأعلى ثانيةً.







(ﺟﻤﻴﻊ ﺗﺮﺟﻤﺎﺕ تحسين الخطيب)
اﻟﺘﻌﻠﻴﻘﺎﺕ (0)   





سيتم إغلاق الموقع خلال أسابيع نظراً لعجز الدعم المادي عن تغطية تكاليف الموقع.

يمكنك دعمنا ولو بمبلغ بسيط لإبقاء الموقع حياً.