خط على القبر المؤقت - تميم البرغوثي | القصيدة.كوم

شاعر فلسطينيٌّ (1977-) حقق انتشاراً إعلامياً واسعاً.


6406 | 0 | 1 | 1



جـــــــمــوع كل من فيها وحيـد
ووحـشــتـها تـزيـد إذا تـزيـــد
وكــــــــل فــوقـه غيــمٌ بخيــــلٌ
وكــلٌّ تحـته أرضٌ تميــــــــــد
وكـــــــل قــلــبـه طيـرٌ مـلــــولٌ
يــريــد العيــش بعد ولا يريــد
وكــــــل لابـسٌ ثوب المنايــــــا
شهيدٌ في جنازتــــه شــهيــــد
غـريـب الناس من يحيا شريداً
وفـي الـمـوتــى لـه قبرٌ شريد
وللقبر المـؤقــت ألــف معـنـى
يضيق بها على السِّعة النشيد
ومـا تبيـــض بالقمر الليــالــي
ولــكــن هـــنً حين يغيب سود

سيدي:
يا ورطة الشعراء
سأمدح ضعفك لا قوتك
سأحمل كيساً من الخيش،
كالشحاذين أمر به على الناس،
أجمع فيه كل لغات الأرض
ثم أفرشها،
تتناثر الحروف
فتشكل كلمات غير مفهومة
وأخرى لا تفهم الا بالصدفة،
سأفعلها ألف مرة
وألف مرة
وألف مرة،
ولا بد من مرة
أن ينكتب النص الذي أريد،
فأقرأه وأرثيك...
سأحمل كيساً من الصوف،
وأمر به على الناس كالشحاذين،
يضع كل منهم فيه شيئاً:
قطرة ندى،
حذاء قديماً،
هندام مقاتل من بيروت،
يطلق النار من زاوية الشارع
منتبها للعد
ولذوق الفتيات،
دموع الخروج الى البحر،
الكوفية الرقطاء والشعر الطويل،
الكاكي المشمر،
وشمس آب،
تحس بالذنب لأنها لا تحذرنا،
لم يأذن لها الله أن تحذرنا،
مما تنويه لنا شمس الشهر التالي،
أضع الشمسين في الكيس وأكمل
أضع صياح امرأة تنادي الموتى
في مقبرة بلا شواهد،
سؤال الصحفي، ((إلى أين تذهبون من هنا))،
والجواب ((إلى القدس))،
وأضع القس في الكيس،
الحروف الثلاثة،
وآلاف السنين،
ماضي المدينة صدى حول حاضرها،
والصدى خدعة تظهر الصوت إلهيا وأصفى،
يدفع المرء دائما للغناء،
بغض النظر عنجمال صوته،
وكل مغنٍّ مفتون،
إذا وضعت أمٌ طفلها في القدس
تلقاها ملائكة وجنود،
وغابت عنها سيارة الإسعاف،
وطاقم التمريض،
ماضي المدينة صدى،
ألمّ الصدى من فوق رؤوس الجباي
وأضعه في الكيس
أدقّ على الناس الأبواب
أضع ما تصدق به القوم من ثياب شهدائهم،
نشرات الأخبار،
مشيك بين الأنقاض
رعشة يدك وأنت تسلم على عدوك،
ابتسامك له مهزوماً،
افتعالك المتقن للسعادة الغامرة برؤيته،
كذبك عليه،
وكذبك علينا،
كذبك على نفسك،
وأضعه في الكيس،
ألمّ أكياس الرمل من أيام حصارك
أكتب على كل كيسٍ اسم المدينة التي جاء منها
الرمل رملٌ كريم
تتنكر له المدن ذات الفنادق والحانات
ثم لا يحميها غيره
بدويٌ جاف
لا يعرف الفرنسية
ولا يشرب الخمر
يأخذ الرصاص عنها
ويبقى هادئاً
الرمل رملٌ كريم
أبو جهاد،
أبو اياد،
يدخلون من بوابات الله،
الباقون،كلا
فليبقوا خارجاً،
لم يموتوا بعد،
والله يعلم ماذا يحدثون بعدك،
بنو أمية لا يأمنهم عاقل،
وإن بين الضلوع داءً دويّا،
أضع ذهول عينيك
الحقيقي والمصطنع،
في زمانك كيف تذهل؟
في زمانك كيف تكف عن الذهول؟
دهشةٌ متوقعة دائماً،
كبيت الرعب في مدينة الملاهي،
أو كمدينة الملاهي في بيت الرعب،
أضع ارتباك شفتيك،
تقبيلك الناس
أختار قبلةً واحدة
لضمادٍ على يدٍ صغيرة
لن تنضم أصابعها على شيء أبداً
إلا على قبلتك,فترضى بها,وترضى عليك
أضع إصرارك على تكرار الكلام
لغتك الانكليزية العرجاء،
إحساسنا بالاختناق كل مرّةٍ توقع فيها
على ورقة يناولها لك القنصل،
وداعتك الكليلة،
نراها للمرة الأولى في صورتك الأخيرة،
أضع البيجاما الزرقاء وقبعة الصوف في الكيس،
كأنك رضيت بالإجابة،
سلمت الورقة الى المراقب الأعظم،
لم يعد عندك صبرٌ أن تراجعها،
نظرت الي الأسئلة والإجابات،
قلت: ((هذا أنا))،
أتعبني الامتحان جداً،
الحمدلله، انتهى،
كل شيءٍ بعدها مقبول،
أيها المراقب خذها،
لطالما اقتنعت بدور المراقب ولم تتدخل،
حتى والقوم يهزون قوائم عرشك،
حتى والمكان ينهار علينا وعليك،
وكأنك إن تحركت خسرت وقارك،
هيبتك، وخسرت بعدك،
هل تكون قريباً أبداً
أم انك أنت البعد عينه
فلا قرب لك،
أيها المراقب الأعظم خذها، لا ترددها الي،
صحح وقيم ما شئت،
أما أنا، فمتعبٌ جداً،
وأنتم ايها الباقون بعدي في القاعة،
تماسكوا ما تماسكت حولكم جدرانها،
ومن شاء منكم الخروج فلا خير في بقائه،
افعلوا بعدي ما تشاؤون،
أحبوني أول لا تحبوني،
قدسوني أو لا تفعلوا،
لكن اعلموا،
أنني لم يكن لي قومٌ سواكم،
أحبكم، لأنني ليس لي أحدٌ أحبه غيركم،
سلامٌ عليكم،
((هذه قدرتي))،
ألمّ كلامك هذا كالوبر من على سترتك
وقبعتك الصوف
إذ تركب المروحية،
أمر بالكيس على باعة الجرائد،
كل يضع فيه شيئاً،
سلاماً دمعةً، غضباً، حيرةً،
إن لكل منا سهماً فيك
أيها المنسوج منا،
شهدائنا وأوغادنا،
أيها الحاكم المحكوك
أيها الجبار المهزوم،
أيها المبتسم المهموم
أيها الظالم المظلوم،
ألمّ الصفات واضدادها من القواميس
أضعها في الكيس
أضع صورتي واقفاً بين يديك
عمري أربع سنوات
أريك شطارتي ومعرفتي بالأبجدية فخوراً،
أغضب لأنك لم تنتبه،
أضع الصورة في الكيس،
أضع الكيس أمامي،
أركز عليه علماً،
أكتب عليه اسماً وتاريخين
أجعله حول الرقاب حجاباً
أقول:
ألا أيها الناس عندي حجابٌ،
سيجعل كل القبور مؤقتة، فخذوه،
فمن مات منكم وهذا الحجاب على عنقه،
لن يموت،وان مات الا قليلا
ومن عاش وهو على عنقه
عاش يحمل حملا ثقيلا
الا يا نسيجاً تشابكه كنقوش المصلّى
حنانك,,حتى البكاء عليك أراه سيحتاج شرحاً طويلا
ويبقى البكاء على الرغم من كل الشروح له
غامضاً ويقصر عنك،
وحقك لست بدارٍ لماذا نحبك،
لكنني اتأكد إذ يظهر القول لي نفسه
أن سيبقى رثاؤك،
والشكر المكر يرجع في هذه لك يا سيدي،
أقول، سيبقى رثاؤك
يا شيخنا مستحيلا








الآراء (0)   


الموقع مهدد بالإغلاق نظراً لعجز الدعم المادي عن تغطية تكاليف الموقع.

يمكنك دعمنا ولو بمبلغ بسيط لإبقاء الموقع حياً.